أفلام الحافظة الزرقاء للكاتب الدكتور أحمد خالد توفيق الجزء الثانى
ست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب
.ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب
.ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب
List activity
268 views
• 1 this weekCreate a new list
List your movie, TV & celebrity picks.
46 titles
- DirectorSteven SpielbergStarsRoy ScheiderRobert ShawRichard DreyfussWhen a killer shark unleashes chaos on a beach community off Cape Cod, it's up to a local sheriff, a marine biologist, and an old seafarer to hunt the beast down.لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
أعترف بأنني لم أضع خطة عامة أتحرك على أساسها في تقديم أفلام الحافظة الزرقاء، وإنما هي العشوائية. لهذا أعترف كذلك بأنه كان لابد أن أقدم فيلم "الطيور" لهيتشكوك قبل أن أقدم فيلم اليوم، لأن فيلم "الطيور" هو المرجع الأهم لكل أفلام المُسوخ التي قُدمت بعده، ووضع القواعد الخالدة لأفلام المسوخ التالية. ولا شك أن ستيفن سبيلبرج كان يضع الطيور في ذهنه وهو يخرج "الفك المفترس" الذي عرض عام 1975.
وبما أننا لا نعمل وفق خطة معينة؛ فلنتحدث اليوم عن الفيلم الذي صار ظاهرة حقيقية في السبعينيات. يؤرخون دومًا لهذا الفيلم بأنه أول فيلم يبدأ موضة أفلام الصيف حاصدة الإيرادات (Summer Blockbuster).
كنت قد أنهيت امتحان نهاية العام لتوي، وذهبت مع صديق عزيز إلى السينما في يوم صيف حارّ، حيث كانت حشود من الناس تقف خارج دار السينما بانتظار رؤية فيلم العَقد هذا. وبالطبع أعرف لحظات الألم تلك؛ حيث أشعر أنني إن لم أرَ الفيلم الآن سيَتلفُ أو سيبهت ويفقد جزءًا من سحره!
كل إنسان قد رأى هذا الفيلم الآن.. وقد تأكدتْ لنا من جديد حقيقة أن الشاشات الصغيرة تقتل الفيلم قتلاً، ومن رأى الفيلم على الفيديو أو الكمبيوتر عرف قصته، لكنه لم يرَه! فالصورة الكبيرة، وظلام السينما، والجلوس مرغمًا لمدة ساعات، وسماعات الستريو.. هي الطقوس المقدسة للاستمتاع بفن السينما، ومن دونها يتحول أي فيلم إلى حلقة أجنبية مثيرة ليس أكثر. كان الفيلم في قاعة السينما تجربة لا يمكن وصفها، خاصة وأن الناس في ذلك الوقت لم تكن قد رأت شيئًا كهذا من قبل.
لا شك أن ستيفن سبيلبرج كان يضع الطيور في ذهنه وهو يخرج "الفك المفترس"
لا شك أن ستيفن سبيلبرج كان يضع الطيور في ذهنه وهو يخرج "الفك المفترس"
قصة الفيلم هي للكاتب الأمريكي بيتر بنشلي، الذي اشتهر برواياته التي تدور في عالم البحر، وعندما اختار سبيلبرج هذه الرواية الغريبة موضوعًا لفيلمه كان هذا غريبًا؛ لأن الرعب عامة ليس من اهتماماته على الإطلاق.
ويرى عدد من النقاد أن الفيلم -مهما بلغ من ضخامة- لا تتجاوز قصته أن يكون فيلمًا تسجيليًا عن صيد القرش الأبيض العظيم. ربما كان الأمر كذلك، لكن هناك فلسفة قوية في كل قصص المسوخ، وقصص الكوارث الطبيعية التي تحل بقرية آمنة على كل حال، ولهذا ربما تجد في القصة ظلالاً من طاعون ألبير كامي أو ذباب سارتر. السمكة هي عقاب السماء الذي ينزل بالقرية ليعري النفوس ويكشف المنافقين، ثم تهلك في النهاية على يد أكثرهم طهرًا.
هناك خيوط كثيرة جدًا تذكرنا بقصة موبي ديك، ولا شك أن روبرت شو كان يمثل والقبطان "أهاب" في ذهنه. هناك كذلك خيوط كثيرة من "عدو الشعب"؛ مسرحية إبسن الشهيرة.
هناك في القصة الأصلية علاقة بين زوجة المأمور وعالم البحار.. طبعًا لم يكن لها أيّ داعٍ، كما أنها تُضعف تعاطفك مع هذا الأخير، وقد أحسن كاتب السيناريو عندما حذفها بذكاء.
من ضمن عوامل قوة الفيلم كذلك ذلك اللحن القوي جدًّا، الذي وضعه جون ويليامز؛ لحن اقتراب السمكة والذي يشعرك بالخطر الداهم قادمًا. وتقول مجلة إمباير أن نغمة دا - دم - دا - دم هذه صارت أشهر من ضربات بيتهوفن الثلاث في سمفونيته. إن سبيلبرج يستعين دومًا بجون ويليامز ليضع موسيقى أفلامه، ويقول النقاد إن هذه الموسيقى العبقرية تخبر الناس بما يجب أن يشعروا به، أي أنها تسد ثغرات الإخراج..
أضف إلى هذا التصوير الممتاز لباتلر، ثم القرش الميكانيكي "بروس" الذي صنعه خبير المؤثرات بوب ماتي، وهو الذي صنع الأخطبوط العملاق في فيلم "20000 فرسخ تحت الماء"، وقد تكلف القرش ربع مليون دولار وقتها. في الحقيقة كان على الخبير أن يجري دراسات مطولة في معهد سكريبس للأحياء المائية، واستعان بخبير الأحياء المائية بيونارد كامباجو، لأن العالم لا يعرف إلا أقل القليل عن القرش الأبيض العظيم.
كانت هناك ثلاثة قروش من المطاط لتناسب تعدد وجهات نظر الكاميرا. الأسنان لينة لتسمح للقرش بالإطباق على صدر الممثل، وكان الجلد يُغيَّر كل أسبوع لتآكله بالماء المالح والشمس، وكان هناك أربعون فنيًا لتحريك النماذج. لكن التصوير -الذي تم في كرمة مارثا بولاية ماساتشوستس- كان متعسرًا، وكانت النماذج لا تكف عن الغرق.
كان هناك قاربان كذلك، أحدهما صُمم بحيث يتحطم بسهولة لدى هجوم القرش. لكن التصوير كان نوعًا من الفوضى العارمة وكانت المشاكل كثيرة.. ويقال إنه كان سلسلة من المشاجرات لا تنتهي.. والتصوير الذي تقرر له 55 يومًا طال ليستغرق 160 يومًا.
بالطبع مع ظهور الفيديو والـDVD، استطاع صيادو العيوب أن يجدوا مشاكل كثيرة في الصورة وفي نموذج سمكة القرش. برغم هذا ما زلت أجد القرش أكثر إتقانًا وإرعابًا من القروش المرسومة بالكمبيوتر بالكامل في البحر الأزرق العميق..
بالطبع لن أعيد سرد القصة التي يعرفها القارئ جيدًا، لكن هناك مشاهد موجسة لا يمكن نسيانها.. الحفل الساهر الذي يقيمه الشباب على الشاطئ في ضوء القمر، والفتاة التي تهرع إلى الماء لتظفر بسباحة في المياه المظلمة.. ثم تشعر باهتزازات تحت الماء وينقلب شهيقها صراخًا وهي تدرك أنها بين فكّيْ شيء مريع.
هذه اللقطة صارت كلاسكية جدًا وقد تم تقليدها مرارًا
الترافلنج السريع للكاميرا وهي تتقدم ونحن معها مرغمين، بلا روية ولا كياسة وسط قاع البحر..
منظر الأقدام السابحة من تحت الماء، ونحن فقط ندرك أن وحشًا تحت الماء ينتظر فرصته.. إن الموسيقى المتوجسة تعطينا إنذارًا مسبقًا بأن شيئًا سيحدث، بينما أبطال الفيلم لا يعرفون..
كوننا لا نرى السمكة إلا بعد ثلثيْ الفيلم كان استثمارًا ناجحًا، وهذا جعل خيالنا يعابثنا بقسوة.. لقد تخيلنا كل شيء ممكن.. في الحقيقة كان سبيلبرج مرغمًا على هذا الغموض أغلب الوقت؛ لأن نماذج سمكة القرش كانت تتْلَفُ أو تغرق طيلة الوقت، لذا قرر أن يوحي بوجود السمكة أكثر من إظهارها.. ومن الغريب أن هذا خدم الفيلم جدًا. ثم عندما ظهرت السمكة للمرة الأولى والمأمور يلقي بالسمك المتعفن في الماء، فإن ظهورها يعطينا صدمة حقيقية كالتي شعر بها المأمور.. يتراجع بظهره مذهولاً ليقول للصياد العبارة الشهيرة:
ـ"نحتاج إلى قارب أكبر!".
لو رأيت اللقطة لرأيت تأثيرًا سينمائيًا شهيرًا يوحي بالدوار اسمه Dolly Zoom Effect، حيث يبدو كأن حجم الخلفية يكبر بينما المقدمة ثابتة في حجمها.
هذه ورطة شبيهة بورطتنا التي حدثت منذ أشهر في شرم الشيخ: سمكة القرش تهاجم البلدة الهادئة (أميتي) في بداية موسم الصيف، وبرغم محاولات مأمور القرية أن يوقف موسم الاصطياف ويغلق الشاطئ؛ فإنه يصطدم برجل السياسة الأناني الذي يكره أن تخسر البلدة اقتصاديًا. هناك صياد خشن (يؤدي دوره بعبقرية روبرت شو) يعرض خدماته باهظة الثمن لصيد السمكة، وبالطبع ترفض البلدة هذا العرض..
في النهاية تضطر إلى أن تلجأ لخدماته، وتنطلق السفينة في عرض البحر..
الفيلم يدور حول ثلاثة رجال شديدي التباين وسمكة.. الصياد روبرت شو شديد الثقة في نفسه والملئ بالجبروت.. عالم الأحياء المائية ريتشارد درايفوس الذي يحاول أن يثبت أنه خشن.. المأمور الرقيق روي شيدر الذي يكره البحر ويشعر بأنه ضائع بين خبيريْ البحر هذيْن..
وفي النهاية تحاصر السمكة العالم تحت الماء وتحطم القارب وتلتهم الصياد في مشهد شنيع حقًا
ويجد المأمور الجاهل بالبحر نفسه وحيدًا في وسط المحيط مع السمكة التي يبدو أن لها قدرات غير أرضية.. لكنه يجد الحل وينجح في إلقاء أسطوانة أكسجين بين شدقيها، ثم يحكم تصويب البندقية ليفجر الأسطوانة والسمكة..
بعد هذا عاد "الفك المفترس" في أجزاء تزداد ضعفًا وسخفًا، وكان السؤال في كل فيلم هو: كيف تموت السمكة هذه المرة؟
حقق الفيلم -كما قلنا- نجاحًا مذهلاً ساحقًا، وكان أعلى الأفلام إيرادًا في تاريخ السينما، إلى أن جاء "حرب الكواكب" بعد ذلك بسنتين.
نال الفيلم أوسكار أفضل مونتاج، وأفضل موسيقى، وأفضل صوت. كانت المهمة صعبة أمامه؛ لأنه كان أمام فيلم عظيم فعلاً هو "أحدهم طار فوق عش الوقواق". - DirectorCosta-GavrasStarsJack LemmonSissy SpacekMelanie MayronWhen an idealistic American writer disappears during the Chilean coup d'état in September 1973, his wife and father try to find him.
- DirectorMike HodgesStarsMichael CaineIan HendryBritt EklandWhen his brother dies under mysterious circumstances in a car accident, London gangster Jack Carter travels to Newcastle to investigate.
- DirectorMilos FormanStarsJohn SavageTreat WilliamsBeverly D'AngeloClaude Bukowski leaves the family ranch in Oklahoma for New York where he is rapidly embraced into the hippie group of youngsters led by Berger, yet he's already been drafted. He soon falls in love with Sheila Franklin, a rich girl but still a rebel inside.
- DirectorJohn HustonStarsHumphrey BogartMary AstorGladys GeorgeSan Francisco private detective Sam Spade takes on a case that involves him with three eccentric criminals, a gorgeous liar and their quest for a priceless statuette, with the stakes rising after his partner is murdered.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.
موسيقى ساكس حزينة كأنها نياط قلب يتمزّق.. شوارع مبلّلة بالمطر وبالوعات يتصاعد منها دخان.. قبعات ومعاطف مطر جلدية.. مخبر غامض صارم الوجه على شيء من القسوة لا يكفّ عن التدخين ويلفّ سجائره بنفسه، ويضع زجاجة ويسكي في خزانة النقود الفارغة.. حسناوات غامضات مميتات (Femme fatale) يُدخنن السيجار بمبسم طويل، ويجلسن إلى البار ليشربن الشمبانيا، وهن ناعمات خطرات كالأفاعي.. عصابات وصفقات سرية.. أزقة خلفية لنيويورك أو سان فرانسيسكو.
مرحبا بك في عالم "الفيلم نوار" (Film noir) أو "الفيلم الأسود".
نعود هنا للكتاب المهم "أنواع الفيلم الأمريكي" الذي كتبه ستانلي جي سولومون وترجمه عاشق السينما الناقد مدحت محفوظ.. يتكلّم الكتاب عن أفلام المخبرين الخاصين؛ فيقول إن المجرم والمحقّق كليهما متورّطان في عالم الجريمة، ولكن الواحد عكس الآخر، ولا يُمكن أن يصير الاثنان بطلَي فيلم واحد؛ لأن كلا منهما محور الأحداث في فيلمه الخاص بحيث يصير الآخر هامشيا.
إن المحقق في "الفيلم نوار" يعمل وحده وبلا سند من الشرطة.. الشرطة تملك الكثير من الصبر والعلم والجلد، لكنها تفشل في لحظة بعينها؛ فتسند المهمة إلى المخبر الخاص.. المخبر الخاص يكره الجريمة والمجرمين بدوافع شبه شخصية، وليس لأنها تمثّل خطرا على النظام العام، وعالمه الخاص هو أمريكا الحضرية التي يختفي الصراع والشهوات فيها تحت قشرة الرقي.. هو رجل بلا ثروة، لكنه يعمل في عالم يعتمد على المال، وغالبا ما تُعرض عليه رشوة مادية أو جنسية يرفضها بلا مبالاة.. إنه خشن يعيش في بيئة فاسدة، لكنه قادر على عزل نفسه عنها.. فيما بعد وإرضاء لمشاهد السينما صار المخبر الخاص يقبل الرشاوى الجنسية.
الشخصية النموذجية في هذا النوع هي شخصية المحقّق سام سبيد في فيلم "الصقر المالطي" الذي يتكلّم بالضبط كرجال العصابات، وهو يقول للمرأة التي يُحبّها:
ـ "لا تكوني واثقة جدا أني منحرف كما ينبغي أن أكون".
أوّل مثال يُقدّمه الكتاب لأفلام النوع هو "الصقر المالطي".. الفيلم الذي أخرجه جون هيوستون عام 1941، عن رواية شهيرة جدا للأديب داشييل هاميت.. كل روايات هاميت تنتمي لهذا العالم، والسبب أنه كان مخبرا خاصا هو نفسه.. لا يوجد فيلم في التاريخ كان أمينا للنوع الذي ينتمي له مثل هذا الفيلم.
هناك اثنان آخران قدّما عام 1931 وعام 1936.. لسبب ما هذه رواية محظوظة جدا، لكن فيلم 1941 هو الأكثر شهرة ونجاحا.
جون هيوستون مخرج أمريكي اشْتُهر بعلامات في تاريخ السينما
جون هيوستون مخرج أمريكي اشْتُهر بعلامات في تاريخ السينما
جون هيوستون مخرج أمريكي كبير، اشْتُهر بعلامات في تاريخ السينما؛ مثل: "الملكة اللإفريقية" (The African Queen) فيلم كاترين هيبورن الشهير، و"كنز سييرا مادري" (The Treasure of the Sierra Madre) و"الرجل الذي سيكون ملكا" (The Man Who Would Be King)، لكن فيلم اليوم هو أوّل فيلم يُقدّمه.
هنا يرسم همفري بوجارت بعبقرية صورة المحقّق سام سبيد الكلاسيكية.. حتى إن هناك ما يطلقون عليه "النمط البوجارتي" الذي يرمز للمحقق الخشن الغامض الذي يتكلّم مثل المجرمين.. راجع فيلم (هاري القذر)
أمّا الأنثى الغامضة المميتة فهي ماري أستور.
يُخبرنا الفيلم في بدايته أن فُرسان المعبد في مالطة أرسلوا لشارل -ملك إسبانيا- تمثالا من ذهب لصقر، يزدان بجواهر ثمينة جدا، لكن القراصنة استولوا على الهدية، ومنذ ذلك الحين ظلّ مصير الصقر غامضا.
في عالمنا هذا يُقابل المحقق سام سبيد الزبونة الحسناء ماري أستور.. تبحث عن أختها الضائعة.. في كل هذه الأفلام تقابل العميلة التي تبحث عن أختها الضائعة وغالبا هي تكذب.. لماذا تكذب؟ هذا ما نعرفه فيما بعد.
عندما يذهب أرشر شريك سبيد في المكتب لمساعدة الفتاة يُقتل، ويجد رجال الشركة جثته. يشك رجال الشرطة في أن سبيد هو الذي قتل أرشر.. نفس الشيء تعتقده أرملة أرشر؛ لأنها كانت على علاقة بسبيد.. ربما قتل زوجها كي يفوز بها.
يقابل سبيد من يُدعَى "كايرو" (القاهرة) يطلب منه -مقابل مبلغ مجز- أن يجد تمثالا أسود لطائر.. الرجل يريد التمثال لدرجة تهديد سبيد بالسلاح وتفتيش مكتبه، وفي النهاية بعد معركة قصيرة، يقبل سبيد القيام بالمهمة.. كايرو متأنق يستعمل بطاقات معطّرة كعلامة مميزة لشخصيته، وهو بالمناسبة من أوائل الشخصيات الشاذة جنسيا التي ظهرت في تاريخ السينما وفي زمن محافظ جدا.
هناك أخرى تُدعَى "بريجيد أوشوجنسي" تطلب مساعدته، ويكتشف سبيد أن كايرو والفتاة يعرفان بعضهما.. إن البطلة محاطة برجال خطرين فعلا.
هناك كذلك مَن يُدعى "كاسبر جوتمان".. الشرير البدين الذي قام ببطولته الممثل جرينستريت، وكان أداؤه مذهلا، حتى إن القنبلة الذرية التي ألقيت على ناجازاكي كان اسمها "الرجل البدين" على سبيل التحية له.
في هذا الفيلم ندرك أن كايرو وبريجيد يخشيانه جدا.. جوتمان هو الآخر مستعدّ للدفع بسخاء كي يحصل على الطائر الأسود.. إنه يبحث عن التمثال منذ 17 عاما.. يعده سبيد بأن يجلبه له بالرغم من أنه لا يملك أي فكرة عن الموضوع.. يخبره جوتمان أنه كلّف ثلاثة لصوص بالعثور على التمثال؛ هم: بريجيد أوشوجنسي وكايرو وشخص ثالث، لكنهم أرادوا الاحتفاظ بالتمثال لأنفسهم. يدسّ لسبيد المخدّر في الشراب، ونرى لقطة شهيرة جدا وصعبة جدا تتابع فيها الكاميرا الممثّلين وكأس الشراب وبطن جوتمان المنتفخ والحوار.. إنها لقطة مدرسية لا تُنسَى.
هناك رجل جريح يأتي لمكتب سبيد ويلقي لفافة.. اللفافة تحوي تمثالا أسود لصقر، ثم يسقط ميتا. يخفي سبيد اللفافة في طرد ويضعها في أمانات المحطة.
إن القصة معقّدة ومليئة بالمغامرات والأحداث، فلا داعي لأن أحكيها لك؛ لأنها ستكون أطول من اللازم، وأعقد من اللازم.. فقط ينتصر سبيد في النهاية ويتخلّى عن حبّه من أجل العدالة.
يمكنك مشاهدة ملخص سريع للفيلم
إن أداء بوجارت شديد الأصالة وقد رسم نمط المخبر الخاص في الـ"فيلم نوار" للأبد.. عندما اختيرت أنجريد برجمان لتمثّل فيلم "الدار البيضاء" مع بوجارت جلست تشاهد "الصقر المالطي" لتفهم مفاتيح أداء الرجل.. أمّا عن إخراج هيوستون باعتبار هذا فيلمه الأوّل، فقد كان منظّما جدا ورسم كل لقطة ودرسها جيّدا قبل البدء.
ومِن الطريف أنه صور لفيلم بنفس ترتيب اللقطات على الشاشة، وهذا سلوك غير معتاد في السينما، لكنه يساعد الممثلين على تطوير الشخصيات.
بالطبع لا يمكن أن يوجد فيلم نوار ناجح من دون تصوير مفعم بالظلال، وقد تميّز تصوير أرثر أديسن بالإضاءة الغامضة وزوايا الكاميرا الغريبة.
نال الفيلم إعجاب الجماهير والنقاد، وضمّته مكتبة الكونجرس باعتباره تراثا ثقافيا بالغ الأهمية.. "الصقر المالطي" مِن كلاسيات السينما التي لا بد أن تراها لو لم تكن قد فعلت حتى هذه اللحظة، على الأقل كنموذج صارخ للفيلم نوار.. وإنني لأضمن لك متعة خالصة. - DirectorSam PeckinpahStarsKris KristoffersonAli MacGrawErnest BorgnineTruckers form a mile-long "convoy" in support of a trucker's vendetta with an abusive sheriff - Based on the country song of the same title by C.W. McCall.
- DirectorPeter CollinsonStarsMichael CaineNoël CowardBenny HillA comic caper movie about a plan to steal a gold shipment from the streets of Turin by creating a traffic jam.
- DirectorWilliam FriedkinStarsGene HackmanRoy ScheiderFernando ReyA pair of NYPD detectives in the Narcotics Bureau stumble onto a heroin smuggling ring based in Marseilles, but stopping them and capturing their leaders proves an elusive goal.
- DirectorRandal KleiserStarsJohn TravoltaOlivia Newton-JohnStockard ChanningGood girl Sandy Olsson and greaser Danny Zuko fell in love over the summer. When they unexpectedly discover they're now in the same high school, will they be able to rekindle their romance?
- DirectorAlan ParkerStarsMatthew ModineNicolas CageJohn HarkinsAfter two friends return home from the Vietnam War one becomes mentally unstable and obsesses with becoming a bird.
- DirectorJoseph SargentStarsWalter MatthauRobert ShawMartin BalsamFour armed men hijack a New York City subway car and demand a ransom for the passengers. The city's police are faced with a conundrum: Even if it's paid, how could they get away?
- DirectorMichael CacoyannisStarsAnthony QuinnAlan BatesIrene PapasAn uptight English writer travelling to Crete, on a matter of business, finds his life changed forever when he meets the gregarious Alexis Zorba.
- DirectorGeorge CukorStarsAudrey HepburnRex HarrisonStanley HollowayIn 1910s London, snobbish phonetics professor Henry Higgins agrees to a wager that he can make crude flower girl, Eliza Doolittle, presentable in high society.لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي، لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألّا يعرفها من يحب.
"بجماليون" هي مسرحية شهيرة جدًا للكاتب الإيرلندي الساخر برنارد شو، ولو كنت تعرف الأساطير الإغريقية، لعرفت أن بجماليون هو النحات الذي صنع تمثالاً لفينوس، ثم وقع في حبه حتى كاد يموت من الوله. أي أن عقدة بجماليون هي عقدة أي شخص يصنع شيئًا ثم يهيم به حبًا. لاقت المسرحية نجاجًا كبيرًا مع معالجة برنارد شو العصرية.. البروفيسور هجنز -خبير التخاطب- يراهن صديقه على أن يستطيع أن يجعل أي إنسان يتكلم لغة راقية. يقع اختياره على بائعة الأزهار الفقيرة إليزا دوليتل التي تتحدث بلغة سوقية فظيعة.. يلاقي الأمرّين في تعليمها حتى ينجح فعلاً، وبالطبع يقع في حبها..
طبعًا أنت شاهدت مسرحية فؤاد المهندس وشويكار الشهيرة التي تم فيها تمصير مسرحية شو، بشكل موفّق للغاية، لدرجة أن أية أغنية في المسرحية الغربية لها ما يقابلها في مسرحيتنا.
في العام 1964 يقدّم لنا المخرج جورج كيوكور فيلم "سيدتي الجميلة" عن هذه المسرحية الشهيرة.
الفيلم اعتمد على المسرحية الغنائية التي قدّمت في برودواي قبل هذا، والتي كتب أغانيها ليرنر ولوي، وقد حقق نجاحًا مذهلاً.. إنه قطعة من الجمال، وما زال يدرّس في مدارس ومعاهد السينما في كل مكان كدرس في التذوق الفني.
كما قلنا تدور قصة الفيلم حول خبير الصوتيات المتحذلق عدو المرأة البروفيسور هجنز.. إنه يؤمن بأن هناك جريمة شنعاء تُرتكب ضد اللغة الإنجليزية يوميًا، بينما العرب -على سبيل المثال- يحافظون على لغتهم فليتنا نتعلم منهم.. لا تعليق!
أخرج الفيلم جورج كيوكور عن مسرحية "بجماليون" الشهيرة
أخرج الفيلم جورج كيوكور عن مسرحية "بجماليون" الشهيرة
نقابل كذلك الفتاة إليزا دوليتل الزهرة الرقيقة النامية وسط الأوحال، وبين عصابات الشوارع وأبيها السكير الأفّاق.. إنها تتكلم أفظع لغة إنجليزية يمكن تخيلها، وكالعادة لا تنطق حرف H أبدًا بل تحيله إلى همزة، كما أنها تنطق Today كأنها "توضاي".. وتتحدث عن قصر باكنام بدلاً من باكنجهام.
عندما تذهب الفتاة إليزا للبروفيسور تطلب منه أن يعلّمها النطق الصحيح، فإن التحدي يبدو مستحيلاً. تعرض أن تدفع له شلنًا.. إنه معتاد على تقاضي أعلى الأثمان، لكنه لم يتلقّ قط عرضًا كهذا.. أن يقدم له أحدهم كل ما يملك هذا إغراء شديد..
إن مشاهد تعليم الفتاة ذات اللسان العصيّ تمثل عذابًا حقيقيًا لها وللبروفيسور، لكنها متعة حقيقية للمشاهد. لقد صارت تكرهه بجنون، وتتمنى أن يموت فعلاً. وفي واحدة من أجمل أغاني الفيلم توجّه له السباب وتتوعده وهو لا يراها طبعًا، وتتخيل أن ملك إنجلترا سيحبها، فتكون أول رغبة تطلبها منه هي أن يقطع رأس هنري هيجنز.. سوف تندم يا هنري هيجنز بعد فوات الأوان.. فقط انتظر! تؤدي الأغنية بلكنة الكوكني الشنيعة فتنطق Wait كأنها White، وتنطق late كأنها light. أما اسمه هنري هجنز فتنطقه إنري إيجنز؛ لأنها عاجزة نهائيا عن نطق حرف الهاء.
شاهد هذه الأغنية هنا، ومعظمها بصوت أودري هيبورن فعلاً
وفي اللحظة التي يقرر البروفيسور هجنز فيها أن المهمة مستحيلة تتمكن الفتاة من نطق جملة صعبة، هي:
The rain in Spain stays mainly in the plains
المطر في إسبانيا يبقى أساسًا في الوديان.
وهي جملة مصممة لتدريبها على نطق الحروف التي تجد نطقها مستحيلاً. وهكذا تنزاح الغمة..
شاهد هذا المشهد الرائع هنا
هنا يبدي البروفيسور رقة زائدة نحوها، مما يوقع الفتاة في غرامه.. وتقضي ليلتها غارقة في الأحلام.. الفراش! لا أستطيع أن أذهب للفراش حتى لو أعطوني جواهر التاج كلها.. شاهد نشوتها وعجزها عن النوم، بينما المربية تحاول دسّها في الفراش بالقوة هنا:
يأخذها البروفيسور لسباق صيد الخيول في أسكوت؛ لتختلط بالطبقة الراقية المتحذلقة. هنا يستعرض لنا كيوكور لوحات مذهلة للأزياء الأرستقراطية، مع تحذلق الطبقة الراقية كأننا نرى طواويس مغرورة لا بشرًا.. وجوه باردة متعالية لا تعكس أي انفعال، برغم أنهم يتحدثون عن توترهم الشديد قبل السباق.
تسحر إليزا -الجميلة الرقيقة أصلاً- المجتمع الراقي بأناقتها ولهجتها. يقع شاب ثري في غرامها، لدرجة أنه يمر كل ليلة أمام دارها مغنيًا..
تعود لبيت البروفيسور، لتجد أنه يحتفل بأنه حوّل فتاة جاهلة مثلها إلى شيء راقٍ.. المشكلة أن أحدًا لا يبالي بها على الإطلاق.. كأنها مجرد شيء، أو كأنها قرد تمكّنوا من تعليمه الكلام. هكذا تدرك أنها كانت واهمة عندما حسبت أن البروفيسور يمكن أن يحبها.. لقد صارت مسخًا لا ينتمي للطبقة الراقية، ولا يستطيع العودة لطبقته الأصلية...
تخرج من الدار عازمة على أن تصنع ثقبًا في النهر حسب تعبيرها، لتقابل ذلك الفتى العاشق يمشي في شارعها مترنمًا كالعادة، وفي لقطة من أجمل لقطات الفيلم تنفجر فيه صارخة:- "كلمات.. كلمات.. ليس لديكم سوى الكلمات.. أتلقى كلمات طيلة اليوم سواء منك أو منه.. هذا كل ما تستطيعون عمله!"
شاهد هذا المشهد الرائع هنا، ولاحظ كيف تقاطع أغنية أغنية أخرى
لكن البروفيسور لم يستطع أن يتخلص منها بهذه البساطة.. لقد وقع في غرامها فعلاً.. اعتاد وجهها واعتاد وجودها في حياته.. هكذا ينتهي الفيلم به وقد استعادها لتكون زوجته.
هذه نهاية سينمائية تختلف عن نهاية المسرحية.. من المعروف أن برنارد شو كان يكتب أكثر من نهاية لبعض مسرحياته، وقد قدّر هو أنها فتاة ذكية عملية ولن تفوت فرصة الزواج من الشاب الثري الوسيم الذي يهيم بها. أما البروفيسور فلا جدوى منه على الأرجح.
كانت أودري هيبورن تتمنى أن تؤدي أغاني الفيلم، لكنها صدمت عندما عرفت أن الغناء سيكون مهمة المطربة مارني نيكسون. لم يترك صوتها إلا في أغنية "فقط انتظر". أما عن ركس هاريسون فقد كان الأمر سهلاً؛ لأن معظم أغانيه عبارة عن كلام موقع، ولم يستطع قط أن يصاحب الغناء بشفتيه، لذا كل مقاطع غنائه يؤديها في نفس الوقت باستعمال أول ميكروفون بلا سلك في تاريخ السينما.
كان الفيلم كما قلنا درسًا في الإخراج الفني وتصميم الأزياء والتصوير. تألقت أودري هيبورن في دور إليزا دوليتل برغم التوقّعات التي أجمعت على أنها لن تصلح؛ فهي أرستقراطية أصلاً ولا يمكن أن تعطي انطباعًا بأنها من العامة. وكان الإجماع على أن جولي أندروز أصلح منها، خاصة وهي من لعب الدور في المسرحية.
وقد حصد الفيلم ثماني جوائز أوسكار؛ هي أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل تمثيل وأفضل تصوير وأفضل صوت وأفضل موسيقى وأفضل إخراج فني وأفضل تصميم أزياء.
أعاد الفيلم مجد الفيلم الغنائي وذكّر منتجي هوليوود بما تدرّه هذه الأفلام من مكسب، واستمرت هذه الموجة في الصعود إلى أن قضى عليها فيلم دكتور دوليتل الفاشل الذي أعاد للمنتجين توجسهم وخشيتهم من الأفلام الغنائية، وكان على الأفلام الغنائية أن تنتظر فيلم "حمى مساء السبت" في السبعينيات.
وإلى أن نقابل فيلمًا آخر من الحافظة الزرقاء،،، - DirectorDavid LeanStarsJudy DavisVictor BanerjeePeggy AshcroftCultural mistrust and false accusations doom a friendship in British colonial India between an Indian doctor, an Englishwoman engaged to marry a city magistrate, and an English educator.
- DirectorBob FosseStarsRoy ScheiderJessica LangeAnn ReinkingDirector/choreographer Bob Fosse tells his own life story as he details the sordid career of Joe Gideon, a womanizing, drug-using dancer.
- DirectorMel BrooksStarsGene WilderMadeline KahnMarty FeldmanAn American grandson of the infamous scientist, struggling to prove that his grandfather was not as insane as people believe, is invited to Transylvania, where he discovers the process that reanimates a dead body.
- DirectorF.W. MurnauStarsMax SchreckAlexander GranachGustav von WangenheimVampire Count Orlok expresses interest in a new residence and real estate agent Hutter's wife.
- DirectorSidney LumetStarsAl PacinoJohn CazalePenelope AllenThree amateur bank robbers plan to hold up a bank. A nice simple robbery: Walk in, take the money, and run. Unfortunately, the supposedly uncomplicated heist suddenly becomes a bizarre nightmare as everything that could go wrong does.لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
أتيكا.. أتيكا!!
قد ينسى الناس تفاصيل هذا الفيلم، لكن مشهد آل باتشينو وهو يصرخ في الجماهير "أتيكا.. أتيكا" محفور في الأذهان.. هذا هو المشهد الأيقوني الخاص في الفيلم، كمشهد هجوم الهليوكوبتر في "سفر الرؤية الآن"، وقطيع الأغنام في "العصور الحديثة"، ومباراة الكرة بلا كرة في "تكبير"، ولقاء محطة القطار في "رجل وامرأة"، ويدي أبي سويلم تتشبثان بالتراب في "الأرض".
اعتدنا أن نقرأ الترجمة لاسم هذا الفيلم "كلب بعد الظهر"، وهي ترجمة غريبة طبعًا.. الترجمة الأصوب هي "بعد ظهر يوم حار". "أيام الكلاب" في الإنجليزية هي أيام الصيف الأكثر حرًّا ورطوبة. هناك متلازمة نفسية يعرفها أطباء النفس اسمها "متلازمة ستوكهولم"، وتحدث عندما يقوم بعض الخاطفين بالسيطرة على مكان ما.. عندما يُدرك الرهائن أن المعتدين مهذّبون يُعاملونهم جيّدًا، فإنهم يُحبّونهم ويدافعون عنهم. هذه التيمة النفسية عُولجت في أعمال مصرية كثيرة؛ مثل: "الإرهاب والكباب"، و"نهر الخوف". عكس ذلك أن يقع الخاطفون في حُب الرهائن، ويطلق على هذا اسم "متلازمة ليما".
في هذا الفيلم الجميل نرى خليطًا إنسانيًّا جميلاً مِن ليما وستوكهولم.
قليلة هي الأفلام التي تعج بالمشاعر الإنسانية والدفء والسخرية، برغم أنها تعالج موضوعًا عنيفًا مثل سرقة مصرف، لهذا تميّز هذا الفيلم بشكل واضح، خاصة مع الأداء العبقري لوجه شاب وسيم جديد على الشاشة اسمه آل باتشينو، ومجموعة مذهلة مِن الممثلين قامت بأداء أدوار موظفات المصرف ورجال الشرطة والجمهور... إلخ.. مع تحريك متقن لكل التفاصيل يقوم به مخرج يعرفه الجميع هو سيدني لوميت الذي حفظ الناس اسمه بعد فيلم "اثنا عشر رجلاً غاضبًا" الذي سنقابله الأسبوع القادم إن شاء الله.
المخرج سيدني لوميت حفظ الناس اسمه بعد فيلم "اثنا عشر رجلاً غاضبًا"
المخرج سيدني لوميت حفظ الناس اسمه بعد فيلم "اثنا عشر رجلاً غاضبًا"
كان الناس قد عرفوا آل باتشينو مِن فيلم "الأب الروحي" قبل هذا، وعرفوا أنه بارع، لكنه كان محاطًا بوحوش تمثيل مِن عيّنة: مارلون براندو، وروبرت دوفال، وجيمس كان، لكن هذا الفيلم أعطاه الفرصة الكاملة ليُخرج كل ما لديه. أداء رائع يتأرجح بين الارتباك والعصبية والجنون والرقة، وهو على حافة الانهيار العصبي النهائي.. في النهاية نحن نعرف يقينًا أنه لا يستطيع أن يقتل دجاجة.. وفي مشهد ذكي نراه نائمًا، بينما واحدة مِن الرهائن تتسلّى ببندقيته الآلية؛ لتتعلَّم كيف تُؤدّي التحية كما في الجيش.
يظهر في الفيلم كذلك جون كازال، وهو ممثّل آخر مِن أصل إيطالي ظهر في فيلم "الأب الروحي" في دور الأخ طيب القلب ضعيف الشخصية؛ أي أن الفيلم يضمّ اثنين مِن أبناء الأب الروحي.
الفيلم الذي عُرِض عام 1975 ينتمي لنوعية الأفلام التي يطلقون عليها "عملية سطو فاشلة" (Heist Gone wrong). ومن أشهر أفلام هذه النوعية "كلاب المستودع". هناك عملية سطو يقوم بها ذلك الشاب عديم الخبرة "سوني" وصاحبه "سال". عملية السطو هذه قد حدث مثلها في الواقع منذ عامين في بروكلين، والفيلم يعتمد على مقال عن الحادث كتبه ب. ف. كلوج ومور.
شاهد الجزء الافتتاحي هنا
المصرف يعجّ بالموظفات المذعورات، ورئيسهن المسن، والحارس الأسود المصاب بالربو. يكتشف سوني أنه نحس أكثر مما توقّع؛ فالمصرف خالٍ من المال.. كل ما نجح فيه هو أن كل شرطة الولاية تحاصر المصرف. لقد تحوّل الموقف بسرعة البرق إلى "موقف رهائن" من الذي يراه في التليفزيون.
بالواقع يتحوّل الموقف إلى سيرك؛ فالناس كلها تحاصر المصرف، وقوات السوات المخيفة مستعدّة لقتل أية ذبابة تحوم.. قنّاصة فوق الأسطح وطائرات هليوكوبتر في كل مكان. التليفزيون ووسائل الإعلام كلها هنا.. مدير الشرطة يُحاول التفاهم معهم، ويزجر رجاله الذين يتوقّون لإطلاق الرصاص في أية لحظة.
يخرج سوني للتفاوض تحت حماية صديقه بداخل المصرف، وهو يُعلن منذ البداية أنه لا يثق في رجال الشرطة.. سوف يدوخونهما إلى أن يطلقوا الرصاص عليهما في مجزرة شبيهة بمجزرة سجن أتيكا، التي حصد فيها رجال الشرطة الأمريكية الجميع بمن فيهم الرهائن.. ويصرخ أمام الكاميرات والجماهير: أتيكا.. أتيكا! فيُصفّق الناس.. لقد تحوّل إلى نجم إعلامي..
يمكنك أن ترى هذا المشهد الرائع هنا
عندما يطلب بيتزا للرهائن -في مشهد يُذكّرك جدًا بفيلم "الإرهاب والكباب"- فإن صبي البيتزا يُقدّم له الوجبة، ويتمنّى لهما التوفيق، فما إن يجد الصبي نفسه وحده حتى يلقي بالكاسكت أرضًا، ويرقص صارخًا: أنا ممثّل مذهل!
هكذا تتقدّم خطوط السرد بين علاقة الشابين بموظفات المصرف، اللاتي يتعاطفن معهما كلية، ومدير المصرف المريض بالسكري الذي يأبى بشدّة أن يُغادر المصرف للعلاج ويترك البنات وحدهن. تفاصيل صغيرة جدًا مثل حاجة البنات لدخول دورة المياه مما يُشكّل كارثة بالنسبة لسوني الذي تلفت أعصابه أصلاً. ومفاوضات سوني للحصول على طائرة هليوكوبتر تحملهما خارج البلاد، والجنون الذي يحكم المجتمع الأمريكي بالكامل، والدافع العجيب لعملية السطو هذه (وهذا جزء لن أستطيع الكلام عنه هنا).
إن باتشينو يرتب أن تأخذهما الطائرة لبلد بعيد.. ربما الجزائر.. يسأل زميله في السطو عن بلد أجنبي يرغب في أن يعيش فيه، فيردّ:- "وايومنج!".
فهو لا يعرف أن وايومنج في أمريكا..
شاهد هذا المشهد هنا
في النهاية يُوافق رجال الشرطة على أن تنقلهما سيارة مع الرهائن إلى المطار..
هنا يجب أن أتوقّف وأترك لك أن ترى ما حدث بعدها.. لكن النهاية قاسية وأليمة فعلاً.
الفيلم ممتع ويبقى معك لفترة طويلة، وقد رُشّح لعدد كبير مِن جوائز الأوسكار، لكنه لم يحصل إلا على أوسكار أفضل سيناريو أصلي.
كما قلنا يُمكنك بسهولة أن تشمّ رائحة هذا الفيلم في أعمال تالية عديدة، ولدينا فيلم "نهر الخوف" الذي يوشك أن يكون نسخة أخرى منه، وإن صار المصرف أتوبيسًا نهريًا، كما أنه قريب جدًا مِن فيلم "الإرهاب والكباب". أما أهم ما قام به الفيلم فهو أنه حدّد المكانة الراسخة لممثّل شاب واسع العينين حاد النظرات مِن أصل إيطالي اسمه آل باتشينو. - DirectorStanley KubrickStarsKeir DulleaGary LockwoodWilliam SylvesterAfter uncovering a mysterious artifact buried beneath the Lunar surface, a spacecraft is sent to Jupiter to find its origins: a spacecraft manned by two men and the supercomputer HAL 9000.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكر طويلاً.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي، لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
أولاً دعنا لا ننكر أن هذا فيلم صعب بالتأكيد، ويحتاج إلى تركيز كبير، كما أن الحوار السائد فيه هو الصمت. لكنك ستشاهده مرة ومرتين وثلاثا إذا تذكرت أن النقاد يرونه أدقّ وأعمق وأجمل فيلم خيال علمي على الإطلاق. الفيلم الذي جاء قبل "حروب النجم" بعشر سنوات، وبرغم هذا هو أدقّ منه علميا، وأكثر إحكاما بصريا. الفيلم الذي ارتبط للأبد بمقطوعتي ريتشارد شتراوس ويوهان شتراوس "هكذا تكلم زرادشت" و"الدانوب الأزرق" بالترتيب.
يمكنك سماع مقطوعة "هكذا تكلم زرادشت" هنا كما جاءت في مقدمة الفيلم
لاحظ أن الفيلم مصمم أصلاً للعرض بمقياس 70 ملم، ومعنى هذا أنه لا توجد سينما في مصر يمكن أن تعرضه.. ومعناه أن مشاهدته على الكمبيوتر أو في التليفزيون قتل له.
من أين نبدأ الكلام؟ نبدأ من ستانلي كوبريك المخرج العبقري.. أحد أعمدة السينما. الذي تمرّد على هوليوود، فذهب إلى إنجلترا ليقدم الأفلام التي يريدها بشروطه الخاصة، وبأجهزته وطاقم العمل الذي يريده، وهو أكثر مخرج موسوس مولع بالدقة في التاريخ؛ لدرجة أنه كان يعيد تصوير بعض المشاهد في أفلامه 180 مرة! عندما تذكر اسم كوبريك سوف تذكر على الفور أسماء مثل "لوليتا".. "سبارتاكوس".. "عينان مغلقتان باتساع". "البرتقالة الآلية".. "خزانة مليئة بالطلقات".. "دكتور سترانجلاف".. "تألق"... وطبعا فيلم اليوم.
العبقري الأمريكي يبحث عن موضوع، كان يفكر في تقديم فيلم الخيال العلمي الأمثل.. هنا يجد قصة قصيرة كتبها أديب الخيال العلمي أرثر كلارك اسمها "الحارس". يتصل بكلارك المقيم في سيلان طيلة الوقت، ويبدأ الرجلان كتابة السيناريو ببطء شديد. وفي العام 1968 يخرج هذا الفيلم للعالم. كل أفلام ستانلي كوبريك تفشل لدى عرضها الأول، وقد بدا هذا واضحا.. لكن شباب الهيبز بدأوا يذهبون للسينما؛ لأنهم وجدوا أن الفيلم تجربة بصرية غير عادية، خاصة إذا كان المشاهد تحت تأثير عقار الهلوسة. بعد قليل بدأ المشاهد العادي يذهب للسينما ليفهم ما يدور.. وهنا أدرك العالم أنه أمام معجزة سينمائية كاملة. وهو تقريبا أقلّ الأفلام اعتمادا على الحوار في تاريخ السينما.. أول جملة تنطق فيه تقال بعد عشرين دقيقة. رشّح الفيلم لأربع جوائز أوسكار نال منها واحدة، مع قدر لا بأس به من الظلم طبعا.
الفيلم يحكي عن كائنات فضائية لا نراها ولا نعرف عنها الكثير، لكنها أخذت على عاتقها التطوّر العقلي لكل كائنات المجرة، ولهذا ترسل جسما حجريا أسود غريب الشكل إلى أرجاء الكون، وحيثما يقف هذا الجسم الحجري يتطور الإنسان بسرعة خارقة. إنهم الحراس.. الحراس الذين يقفون في أرجاء المجرة يساعدوننا على أن نتطور.
في بداية الفيلم نرى قبيلة بدائية تتصرف كالقردة تماما، ثم تكتشف هبوط هذا الجسم الغامض في أرضها. نتيجة لهذا يتعلم أفراد القبيلة استعمال أيديهم ويتعلمون كيف يصنعون السلاح وكيف يقتلون بعضهم.. ثم تأتي اللقطة الشهيرة في تاريخ السينما عندما يقذف أحد البدائيين خصمه بقطعة عظم.. تطير العظمة في الهواء وتتحول إلى سفينة فضاء ذاهبة للقمر.. لقد اختصر الفيلم ملايين السنين من التطور في ثانية.
شاهد هذه اللقطة هنا
إن العالم (فلويد) ذاهب للقمر؛ للتحقيق في جسم حجري غامض مزروع هناك، يسبب ظاهرة تدعى TMA. إن هذا الجسم يشبه بالضبط الجسم الذي هبط على البدائيين في بداية الفيلم. يعرف أن الجسم يرسل إشارات صوتية غامضة إلى كوكب المشترى.
بعد عام تنطلق سفينة فضائية نحو كوكب المشترى. هذه السفينة يتمّ التحكم فيها بالكامل بواسطة الكمبيوتر كلي القدرات HAL وهو الاسم الذي اختاره كوبريك ليسخر من IBM (الحروف السابقة في الأبجدية بالضبط). إن هال يبدو كشخص واثق من نفسه ثرثار جدا ويراقب كل شيء.
يصاب الكمبيوتر هال بنوع من الجنون، ويتسبب في مقتل أحد رجُلي الفضاء، ويوشك على قتل الآخر الذي يضطر لتدميره. هنا يرينا كوبريك مشهدا لا يُنسى لرائد الفضاء يقوم بتخريب دوائر الكمبيوتر، بينما الكمبيوتر يتوسل له بلا توقّف كي يعطيه فرصة أخرى.. وفي النهاية يفقد صوابه تماما فيبدأ في غناء أغنية أطفال وهو يحتضر.
إن الكمبيوتر يبدو أكثر إنسانية وإثارة للشفقة من الإنسان في هذا المشهد. من اللافت للنظر أن هال هو أكثر أبطال الفيلم كلاما، وهو الوحيد الذي يعبّر عن نفسه بكفاءة.
يمكنك رؤية هذا المشهد الرائع هنا
لقد صار رائد الفضاء ديفيد باومان وحده على ظهر سفينة بلا جهاز كمبيوتر، ضائعا تماما، ومهمته هي استقصاء وجود جسم حجري غامض آخر على كوكب المشترى.
هكذا يصل ديفيد إلى الجسم الحجري، ويكتشف أنه مجوّف، وأنه يمكن أن يبتلع سفينة الفضاء ذاتها.. هناك مجرة كاملة بداخله وبوابة تقود لبعد آخر.. فيرى ما لم يره بشري قبله.
هنا يبدأ الحلم البصري المذهل الذي كان سبب نجاح الفيلم.
شاهد لمحة من الحلم البصري هنا
في النهاية يكتشف أنه في غرفة نوم قام الفضائيون بتصميمها لتشبه غرفنا.. سرير عتيق وتليفزيون وثلاجة. كلها أشياء زائفة صنعوها من مراقبتهم لبرامجنا التليفزيونية. ينام في الفراش للمرة الأخيرة، وعندها يولد الطفل الرضيع الذي يحلق في السماء. طفل النجوم....
البشرية برغم هذا النضج ما زالت طفلاً بحاجة إلى من يأخذ بيده، لكن ليس التفسير بهذه البساطة، ويمكن القول إن كل من رأى الفيلم كان له رأي مختلف في النهاية. هذا فيلم صُنع كي يبقى معك طويلاً.
قام ببطولة الفيلم الممثل كير دوليا في دور رائد الفضاء ديفيد، ووليام سلفستر في دور د. فلويد. لا توجد أدوار ذات أهمية على الإطلاق؛ لأنه لا توجد عبارات حوار تقريبا. تمّ التصوير في بريطانيا، وكان المسئول عن المؤثرات الخاصة شديدة التعقيد دوجلاس ترومبول، وهي مؤثرات لا تتم في المختبر ولا تتم على جهاز الكمبيوتر؛ ولكن تتم داخل الكاميرا نفسها كما طلب كوبريك.
كوبريك تمرّد على هوليوود فذهب لإنجلترا ليقدم أفلاماً بشروطه الخاصة
كوبريك تمرّد على هوليوود فذهب لإنجلترا ليقدم أفلاماً بشروطه الخاصة
من الناحية العلمية هذا أدق أفلام الخيال العلمي على الإطلاق. هناك عدة مستشارين علميين اقترحهم آرثر كلارك نفسه. وهو الفيلم الوحيد الذي لم يقع في فخ انتقال الصوت عبر الفضاء. كل أفلام الخيال العلمي تسمع فيها صوت الانفجارات بوضوح تام في الفضاء الخارجي. مشاهد انعدام الوزن دقيقة جدا فيزيائيا.. وكذلك تأخر وقت الاتصال بين المركبة وكوكب الأرض، وطريقة الخروج من المركبة في كبسولة. أي عالم فضاء يرى هذا الفيلم يعجز عن إيجاد خطأ واحد إلا فيما ندر.
مع نجاح الفيلم الساحق، قدم أرثر كلارك رواية "2001 أوديسة فضائية" التي تعيد تفسير الفيلم من جديد. يطلق على هذا النوع من الأدب اسم Spin off أي أن الرواية لم تصنع الفيلم، لكن الفيلم صنع الرواية. بما أن الفيلم تجربة بصرية بالكامل، وبما أن الغموض مقصود في حد ذاته، فإن نقادا عدة رأوا أن الرواية حوّلت عملاً شعريا رائعا إلى نثر جافّ بلا أسرار.
هذا هو أول فيلم في الحافظة الزرقاء.. تعالَ نرجعه مكانه ولننتقِ فيلما آخر. - DirectorFrancis Ford CoppolaStarsMartin SheenMarlon BrandoRobert DuvallA U.S. Army officer serving in Vietnam is tasked with assassinating a renegade Special Forces Colonel who sees himself as a god.لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
لفترة طويلة ظل هذا الفيلم يتصدر قوائم أفضل الأفلام في التاريخ، فهو حلم وكابوس كاملان في آن واحد، وقد عاد لدائرة الاهتمام مؤخرًا بمناسبة صدور نسخة ريدوكس له. ريدوكس Redux معناها (مستعادة).
رأيت الفيلم في السينما عام 1980، وأذكر أنني أصبت بحالة ذهول وانبهار في النصف الأول منه، ثم لم أعد أفهم شيئًا على الإطلاق في النصف الثاني. الفكرة هي أن الفيلم ينزلق ببطء من عالم الواقع إلى عالم فلسفي كابوسي شديد التعقيد. يقولون كذلك إنه من الصعب أن تفهم الفيلم ما لم تكن قد قرأت "قلب الظلام" رواية جوزيف كونراد الشهيرة. أنا قرأت الرواية بل وترجمتُها للعربية كذلك في واحدة من أصعب و"أسوأ" الترجمات التي أنجزتها! لكن الرواية لا تجعل الأمور أسهل. تدور الحبكة حول رحلة مضنية في نهر بالكونغو يقوم بها البطل للقاء رجل غريب الأطوار يدعى كورتز، هو مزيج من سفاح وتاجر عاج وفيلسوف وشاعر ونبي كاذب، جعلت منه القبائل الإفريقية شبه إله، والسبب هو أنه دعا لدين جديد هو "الرعب"... من الواضح تمامًا أن الرحلة في النهر هي رحلة داخل نفوسنا ذاتها، وأن قلب الظلام هو أعماقنا..
هذا هو محور الفيلم الذي استبدل بالكونغو فيتنام... (أبوكاليبس Apocalypse) هو "سفر الرؤية" أو يوم القيامة في التوراة..
الآن نقابل المخرج العبقري فرانسيس فورد كوبولا الذي أثار ذهول العالم بفيلم "الأب الروحي" الذي أخرجه وهو في الثلاثين من عمره تقريبًا. تروق قصة "قلب الظلام" لكوبولا.. تروق له لدرجة أن يقرر عمل فيلم ملحمي عنها. ومن أجل هذا الفيلم يرهن بيته ويبيع كل ما يملك، مع مساهمة شركة يونايتد أرتستس بنصف التكلفة، ومساعدة حكومة الفلبين له، ليحصل على ثلاثين مليونًا، وهو مبلغ مخيف بمقاييس السبعينيات. ثم يكتب السيناريو بالاشتراك مع جون ميلوش على مدى ستة أعوام. ولسوف تلاحظ في الفيلم تركيزًا على علب سجائر مارلبورو وأجهزة تسجيل سوني، ولربما كان هناك إعلان عن معجون أسنان فيتنامي! لكن كل شيء مبرر من أجل النتيجة النهائية..
من أجل فيلم Apocalypse رهن المخرج كوبولا بيته وباع كل ما يملك
من أجل فيلم Apocalypse رهن المخرج كوبولا بيته وباع كل ما يملك
استعان السيناريو بخبرات صحفي عاصر حرب فيتنام هو مايكل هير. جمع كوبولا مئات المعلومات عن حرب فيتنام بدءًا بانتشار تدخين الماريجوانا بين الجنود وكثرة السود وبرامج البلاي بوي الترفيهية... إلخ.
بدأ التصوير عام 1976 في الفلبين.. إن الفلبين هي فيتنام جاهزة لدى السينما الأمريكية، كما أن الأردن هو العراق دائمًا في هذه الأفلام. عملية قصف القرية في بداية الفيلم استغرق تصويرها 16 أسبوعًا، وقد احترقت طائرات حقيقية.. لقد كان الأمر أقرب لحرب واقعية.
كان بطل الفيلم الرئيس هو مارتن شين، لكن دور كورتز كان بحاجة إلى شخصية لا تقلّ عن مارلون براندو، وقد قبل هذا الأخير القيام بالدور. كان النجم العالمي مشكلة؛ لأنه صار بدينًا جدًا، ولأنه تشاجر كثيرًا جدًا مع المخرج، برغم تاريخهما السابق معًا في "الأب الروحي". كذلك أصيب النجم الرئيس مارتن شين بنوبة قلبية عطّلت العمل. هناك نجوم لم يكونوا معروفين بعد؛ منهم هاريسون فورد ولورانس فيشبورن الذي كان صبيًا في الرابعة عشرة من عمره.
ما لم يعرفه هؤلاء هو أن السيناريو غير مكتمل، ولا توجد نهاية مكتوبة له! لم يقرر كوبولا كيفية إنهاء الفيلم. وكما قيل: كنا تابعين لرجل مجنون بلا خطّة..
وفي النهاية تمّ عمل نسخة أولية عرضت في مهرجان كان عام 1979 فأثارت ذهول المشاهدين. وقد رشّح الفيلم لحشد من الجوائز نال كثيرًا منها، أهمها السعفة الذهبية في مهرجان كان، لكن بالنسبة لجوائز الأوسكار حصل على أوسكار التصوير (فيتوريو ستورارو) والصوت فقط، وبلغ من أهمية الفيلم أن مكتبة الكونجرس أمرت بحفظه؛ باعتباره أثرًا فنيًا بالغ الأهمية.
يبدأ الفيلم بمشهد لا يُنسى لأشجار النخيل في فيتنام تحلّق فوقها طائرات الهليوكوبتر الأمريكية، ثم يتحول كل هذا إلى نار، بينما يغني جيمي موريسون وفريق "الأبواب" أغنيتهم الرائعة الرهيبة "النهاية":
هذه هي النهاية..
يا صديقي الوحيد.. هي النهاية..
نهاية خططنا المحكمة..
نهاية كل شيء له قيمة...
لن أرى عينيك ثانية أبدًا..
يمكنك أن ترى هذه المقدمة هنا (لا تبدأ فعلاً إلا بعد ثلاثين ثانية)
وتتداخل الصورة لنرى الكابتن ويلارد بطل الفيلم الذي أضنته حرب فيتنام عصبيًا في فندقه بسايجون، غارقًا في الخمر والهلاوس.. لدرجة أنه يرى طائرات الهليوكوبتر تحلق في غرفة نومه. يأتي رجال من المخابرات الحربية يجعلونه يفيق بالقوة، ثم يأخذونه للقيادة حيث يكلفه القائد بمهمة عسيرة.. هناك ضابط ممتاز يدعى كورتز. هذا الضابط تمرد وعبر النهر والحدود من فيتنام إلى كمبوديا، حيث كوّن جيشًا خاصًا بنفسه، وانفصل تمامًا عن الجيش الأمريكي. إنه يتحول ببطء إلى إله كمبودي لا تردّ كلمته..
مهمة ويلارد هي أن يعبر النهر مع فريق خاص ويقتل كورتز هذا..
هكذا تبدأ الرحلة الجهنمية التي لا يمكن وصفها. يكون عليه في البداية أن يسلم نفسه للملازم كيلجور قائد وحدة الفرسان التاسعة لينقلهم إلى نهر النانج. قام بالدور روبرت دوفال، وهو نموذج مذهل للأدوار الصغيرة اللذيذة التي لا يمكن نسيانها؛ فالقائد مستمتع جدًا بالحرب ويعتبرها نزهة خلوية، وهو يكتشف أن مع ويلارد بطل أمريكا في التزلج على الأمواج العالية، لذا يصمم على مهاجمة قرية فيتنامية آمنة لأن جوارها مضيقًا نهريًا عالي الأمواج، وهو يريد تحدي بطل أمريكا. ينذره رجاله بأن هذه القرية مكان شارلي، وشارلي هو الرمز الأمريكي لكل رجل مقاومة فيتنامي، لكنه يصر..
وهكذا يتم الهجوم على القرية، ونعرف أنه يحب أن يشغل موسيقى فاجنر من طائرات الهليوكوبتر أثناء القتال.. فاجنر يشعل روح القتال لدى الجنود ويخيف الفيتناميين..
تنطلق الطائرات لتقصف القرية على نغمات "الفالكيري" رائعة فاجنر.. في ثوانٍ يتحول كل شيء لجحيم ونار من أجل بطل التزلج كي يمارس رياضته.
يمكنك مشاهدة المشهد الرائع هنا
يعتقد بعض الناس أن هذا المشهد "يدين القسوة الأمريكية"، لكن الحقيقة أنه يديننا جميعًا.. المشكلة هي أنه يضعك في مكان المنتصرين، لذا تجد الحماسة تعميك فتريد أكثر! إن كوبولا بهذا المشهد العبقري يفضح القسوة والعنف الكامنين في نفوسنا جميعًا. لسنا ملائكة كما نحب أن نعتقد.. نحن فقط لم نُمنح الفرصة لنكون أقوياء وقساة.
يتشمم كيلجور الهواء في استمتاع ويقول لبطل التزلج واحدة من أشهر العبارات في تاريخ السينما:
ـ"أحب رائحة النابالم في الصباح.. أبخرة الجازولين تلك.. إن لها رائحة الـ... لها رائحة النصر!".
شاهد اللقطة هنا
تتواصل الرحلة عبر النهر.. مخاطر من كل نوع.. عروض بلاي بوي يوشك الجنود الأمريكيون المحرومون على إفسادها، عندما يثبون في الماء محاولين الظفر بالراقصات العاريات. يرتكب ويلارد ورجاله عددًا لا بأس به من المذابح ضد الفيتناميين بسبب انفلات أعصابهم..
الآن بدأ الأمر يتحوّل إلى سريالية لا يمكن وصفها.. كأن القارب يتوغل عبر دوائر جحيم دانتي. ويعبرون الحدود إلى كمبوديا كأنهم يعبرون إلى عالم آخر..
مع الوقت يتناقص عدد رجال ويلارد.. يموتون بالسهام المنطلقة من الأحراش. بينما على جانبي النهر ترى الأجساد المتعفّنة المعلقة من الأشجار.
يدخلون القرية مركز قيادة كورتز.. رجال القبائل يلبسون خليطًا من ثيابهم الأصلية وثياب الجيش الأمريكي، وهم مسلحون بخليط من الرماح والسيوف والبنادق الآلية.. هنا العنف والدم في كل مكان، والمعبد البوذي مزين بالرءوس المقطوعة.
يظهر كورتز الرهيب.. إنه عملاق أصلع الرأس متشح بالسواد يقول كلامًا شعريًا غامضًا مبهمًا، لكنه يعرف أن ويلارد جاء من أجل قتله.. يصفه بأنه (صبي بقال أرسله معلمه للقيام بمأمورية). معظم لقطات براندو قريبة من وجهه مع الثياب السود لجعله أقل بدانة مما كان.
أداء مارلون براندو يدير الرءوس فعلاً.. يمكنك مشاهدة لمحة منه هنا
فلسفة كورتز بسيطة جدًا.. العنف والرعب والمزيد منهما.. لا بد للمرء أن ينقب في روحه عن القسوة. الفيتكونج قساة لهذا يربحون الحرب.. ذات مرة قامت القوات الأمريكية بتطعيم أطفال قرية ضد شلل الأطفال، فجاء الفيتكونج بعدها وانتزعوا أذرع الأطفال!. علينا أن نكون مثلهم.
الربع الأخير من الفيلم يحاضر فيه كورتز أسيره عن فلسفته، ويلقي عليه مقاطع من شعر ت.س. إليوت "الرجال الجوف".. هذه القصيدة بالذات استلهمها إليوت من قصة "قلب الظلام".
في مشهد النهاية الشنيع يفرّ ويلارد من سجنه ويخرج من المستنقع وسط الأبخرة، بينما يعود جيمي موريسون للغناء.. لقد تحوّل ويلارد إلى قاتل شيطاني كالذي تمناه كورتز. يدخل على كورتز في مخدعه ليمزقه بسكين عملاقة يحملها. نرى في ذات اللحظة قيام الأهالي -ضمن عيد ديني خاص بهم- بتمزيق ثور حي إلى شرائح بشواطيرهم (مشهد بشع جدًا أثار حنق المدافعين عن الحيوان؛ لأنه حقيقي). لحظة احتضار كورتز يهمس بالكلمة التي يعتبرها وصيته للعالم:
ـ "الرعب!!".
يخرج ويلارد الذي تحوّل إلى شيطان ملوث بالدم، فيقف رجال كورتز مذهولين صامتين.. لقد ظهر كورتز الجديد. يتجه للقارب حاملاً ميراث الرعب عن جدارة.. وتظلم الشاشة.
يمكنك رؤية مشهد النهاية هنا
الرعب! هذا الوحش النائم في أعماقنا والذي يخرج بسهولة بالغة... يمكن القول إن كورتز حقق فلسفته، وأن الجيش الأمريكي كله من أتباعه. وهكذا ينتهي واحد من أعظم الأفلام السينمائية.
نلتقي الحلقة القادمة إن شاء الله مع فيلم جديد من أفلام الحافظة الزرقاء. - DirectorCharles ChaplinStarsCharles ChaplinPaulette GoddardJack OakieDictator Adenoid Hynkel tries to expand his empire while a poor Jewish barber tries to avoid persecution from Hynkel's regime.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.
شارلي شابلن أحد أيقونات القرن العشرين
شارلي شابلن أحد أيقونات القرن العشرين
يقول شارلي شابلن في مقولة شهيرة له عن مشروع إسرائيل: "لا أدري لماذا يجب أن نجمع يهود العالم في فلسطين؟ ولماذا لا نجمع كاثوليكيي العالم في الفاتيكان بهذا المنطق؟".
في الفيلم الذي نقابله اليوم تظهر نغمة يهودية واضحة؛ فهناك الجيتو وهناك الحلاق اليهودي، وبالطبع لم يكن الهولوكوست قد حدث بعدُ، لكنها وقائع تاريخية لا بد من الكلام عنها بحجمها الحقيقي.. نحن نؤمن أن يهودا أبيدوا وعذّبوا على يد النازيين، لكننا نؤمن أولا أن عددهم لم يكن 6 ملايين بأي شكل، وأنهم لم يكونوا الوحيدين، وأن إسرائيل لا تملك الحقّ في إبادة الفلسطينيين بدورها على طريقة "لا بد من طرف يدفع الثمن، وليس بالضرورة هو الطرف المسئول".
لهذا عندما يأتي فيلم اليوم من شابلن؛ فنحن نقبله ونضحك معه ونعجب ببراعة الرجل، بينما لو جاء هذا الفيلم من الأخوين كوين أو سبيلبرج أو وودي ألين لاعتبرناه عملا دعائيا معتادا.
شارلي شابلن غَنَيٌ عن التعريف، وهو أحد أيقونات القرن العشرين البصرية الشهيرة؛ بمعنى أن ملامحه مألوفة في كل أنحاء الأرض، ورؤيته تعني الضحك دائما مع الكثير من الرفق الإنساني والتعاطف.. يجب أن نذكر كذلك أن شابلن كان ذا ميول يسارية واضحة، وكان متعاطفا مع الاشتراكية والاتحاد السوفييتي إلى حدّ ما، وهذا جعله فريسة سهلة للسناتور مكارثي الذي كان يفتش عن الشيوعية في ضمائر الفنانين.
قدّم هذا الفيلم عام 1940 مع بداية الحرب العالمية الثانية، وكالعادة كتبه وأخرجه وكتب موسيقاه ومثّله.. لم يبقَ إلا التصوير الذي قام به كارل شتروس ورولاند توثيروه.
أنت تعرف أن شابلن ظلّ يقدّم الأفلام الصامتة لفترة طويلة، وهناك أفلام نصف ناطقة مثل "العصور الحديثة" الذي قدّمه عام 1936، ولهذا اتهموا شابلن بأنه عدو التقدّم (لودايت)، لكن هذا الفيلم ناطق بالكامل. لقد جاء الوقت الذي يتكلّم فيه الصعلوك الصامت حزين العينين شارلو، وهذا بعد ما نطقت الأفلام بستة عشر عاما.
جاءت الفكرة لشابلن عندما أخبره صديقه كوردا أنه يُشبه هتلر كثيرا.. هذا أوحى له بقصة الفيلم.
الفيلم يسخر من هتلر والفاشية.. هذا بالطبع في وقت لم تكن الولايات المتحدة قد أعلنت الحرب على ألمانيا النازية بعد. نقابل الحلاق اليهودي بطل الفيلم الذي يُحارب في الحرب العالمية الأولى ضمن جيش دولة اسمها "تومينيا".. الاسم ساخر طبعا وهو لعب على اسم سم شهير.. دار جدل طويل حول ما إذا كان الحلاق امتدادا لشخصية المتشرّد الصامتة القديمة أم لا.. هذا يعني أن متشرّد شابلن الذي يحبّه العالم كله كان يهوديا منذ البداية! طبعا هذا جدل يهودي لا يهمّنا كثيرا.
ينقذ الحلاق طيارا جريحا يزعم أنه يحمل برقيات مهمة، لكن الطائرة تهوي على كل حال وتغرق في مستنقع، ويفقد الحلاق ذاكرته.. في ذات اللحظة التي تنتهي فيها الحرب وتخسر "تومينيا".
نقابل بعد أعوام الدكتاتور أدينويد هنكل -الاسم يُذكّرنا باللحمية التي تسد التنفّس- وهو نسخة مضحكة من أدولف هتلر.
اعتمد شابلن على مشاهدته بأمانة لفيلم المخرجة الألمانية ليني رفنشتال (انتصار الإرادة)؛ كي يتمكّن من تقليد هتلر بشكل جيّد.. أنا رأيت هذا الفيلم الأخير وكدت أصاب بالفالج أو أموت مللا، لكنه مرجع مهم لمن يريد أن يدرس حركات وخطب هتلر.. من المعروف أن نسخة من فيلم "الدكتاتور العظيم" وصلت لهتلر وشاهدها مرارا، ويقول شابلن إنه مستعدّ لدفع أي مبلغ كي يعرف ما دار في رأس هتلر وقتها. تشابه شارب شابلن مع شارب هتلر كان موضع تعليقات كثيرة قبل هذا الفيلم.
شابلن يقوم بدور الحلاق والدكتاتور معا، ونراه يُلقي خطابا ساخرا يقلّد فيه طريقة هتلر في الخطابة، بل إنه يخترع لغة ألمانية خاصة به!
يحيط بالدكتاتور جاربيتش -الذي يرمز لجوبلز- وزير الدعاية الهتلري، وهرنج الذي يرمز لجورنج وزير الحربية الهتلري.. المهمة الأولى التي ينوي الدكتاتور القيام بها هي تطهير البلاد من اليهود، وفي الوقت ذاته نرى الحلاق في جيتو اليهود.. هناك قصة حب مع جارته اليهودية الحسناء هانا، تقوم بدورها الحسناء بوليت جودار التي كانت زوجة شابلن في الحقيقة وقتها.. لا ينقذ الحلاق من أنياب قوات العاصفة إلا تدخّل الطيار الذي أنقذه في الحرب.
أوهام القوة والسيطرة تسيطر على الدكتاتور هنكل، ونراه في مشهد جميل يرقص على موسيقى فاجنر مع كرة أرضية عملاقة سرعان ما تنفجر في يده:
يزداد اضطهاد هنكل لليهود، ويُحاول الطيار أن يقنع هنكل بأن يرحم اليهود قليلا؛ فيتهمه بأنه خائن ويلقي به في معسكرات الاعتقال.
هناك دكتاتور آخر يسيطر على دولة بكتريا اسمه "بنزيني نابولاني" -طبعا يذكّرنا بـ"موسوليني" جدا- يدعوه هنكل ليريه قوته العسكرية، وسرعان ما يتشاجر الرجلان كطفلين.
يزحف هنكل على دولة أوسترليتش المجاورة، ويحتلّها كما فعل هتلر مع النمسا بالضبط.
يحدث الخلط المعتاد في هذه الأفلام التي تعتمد على كوميديا الموقف.. الحلاق اليهودي يعتقد الجنود بأنه هو الدكتاتور هنكل، أمّا هنكل الذي يذهب في رحلة لصيد البط؛ فيعتبره الجنود هو الحلاق اليهودي.
عندها يتعرّض الحلاق للموقف الشهير؛ إذ يطلب منه إلقاء خطاب حماسي على الجماهير، وهو نفس المأزق الذي مرّ به نجيب الريحاني وعادل إمام وفؤاد المهندس واللمبي. و .. و..
يتكلّم من القلب، لذا تكون خطبته بليغة جدا تدعو الناس إلى السلام والمحبّة ونبذ الحروب؛ فليستغلوا العلم كي تصير حياتهم أفضل.
ويخاطب حبيبته هانا مباشرة.. هانا التي تعمل في معتقل في أوسترليتز.. يخبرها أن الغيوم قد زالت والحياة صارت أجمل.. الإنسان قد صار له جناحان، وهو يحلق نحو قوس القزح.. نحو النور..
هذه خطبة رائعة شهيرة جدا تأتي في نهاية الفيلم، ولسوف تجدها في عدة أماكن على النت.. كأنها رسالة سلام تركها شابلن للعالم من بعده:
بالطبع تمّ منع الفيلم في ألمانيا النازية وكل البلدان التي تحتلّها، لكن بعض رجال المقاومة نجحوا في تهريب نسخة من اليونان، وعرضوها في سينما في البلقان يؤمها الجنود النازيون. اكتشف الجنود بعد دقائق أن الفيلم يسخر من زعيمهم فأطلقوا النار على الشاشة، لنفس السبب ظلّ الفيلم ممنوعا في إسبانيا طيلة حكم فرانكو؛ أي حتى العام 1974.
كان شابلن يرى أنه الوجه الآخر من هتلر.. إنهما متشابهان تماما، وأحدهما مجنون والآخر ممثّل كوميدي؛ أحدهما يقتل الناس والآخر يضحكهم، ومِن ضمن نقاط التشابه أن كليهما يعشق موسيقى فاجنر، وقد ولدا في نفس التاريخ تقريبا، لكن ما أبعد البون بين الرجلين طبعا. - DirectorRichard FleischerKinji FukasakuToshio MasudaStarsMartin BalsamSô YamamuraJason RobardsThe story of the 1941 Japanese air raid on Pearl Harbor, and the series of preceding American blunders that aggravated its effectiveness.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.
نمر.. نمر.. نمر
قالوا وقتها إن هذا هو معنى العنوان الغريب لفيلم الليلة، وهو -كما سنعرف- الاسم الكودي الياباني لعملية الهجوم على بيرل هاربور. عرفت من الإنترنت فيما بعد أن لفظة تورا هي خليط من لفظة Totsugeki ولفظة Raigeki اليابانية "تو - را". ومعناها هجمة طوربيد، لكن لها نفس نطق لفظة نمر اليابانية.
في ذات الفترة كان هناك فيلم آخر لعنوانه نفس الرنين، هو "تك تك تك"، وهو فيلم لسيدني بواتييه عن مشكلات التفرقة العنصرية في ولايات الجنوب.
رأيت فيلم "تورا تورا تورا" مع أبي في سينما الجمهورية بطنطا، وكنت وقتها في الصف الرابع الابتدائي. لن أنسى هذا اليوم؛ لأنه كان فيلما رائعا حتى بالنسبة إلى طفل لا يفهم ما يدور، لكنه منبهر جدا بمشاهد الطائرات، ولأن فيلم "دراكيولا أمير الظلام" كان يعرض معه في نفس الحفل، وكانت هذه بداية عشقي للرعب ولشركة "هامر" البريطانية، برغم أنني ظللت عدة أشهر عاجزا عن البقاء وحدي في أي مكان!
دعونا من دراكيولا الآن لأننا نتكلم عن "تورا تورا تورا"، وقد طلب بعض الأصدقاء هنا أن أتكلم عنه، وراق لي هذا الاقتراح جدا.
في العام 1970 قدّم المخرج الأمريكي ريتشارد فليشر هذا الفيلم الضخم. هذا المخرج المهم قدّم لنا من قبل أفلام: "20 ألف فرسخ تحت البحر" (20000 Leagues Under the Sea)، و"كونان المدمر" (Conan the Destroyer)، و"سويلنت جرين" (Soylent Green)، و"الرحلة العجيبة" (Fantastic Voyage) و"أشانتي" (Ashanti).
كانت النيّة هي أن يخرج الياباني العظيم أكيرا كوروساوا الجزء الياباني من الفيلم، لكن هذا لم يتم، السبب هو أنهم قالوا له إن المخرج الكبير ديفيد لين هو من سيخرج الجزء الأمريكي فتحمّس بشدة، لما عرف أن هذا لن يتم حرص على أن يتخلى عن المشروع، وفي النهاية تم الاتفاق على أن يخرج توشيو ماسودا الأجزاء الدرامية اليابانية، ويخرج كنجي فوكازاكو الأجزاء التي تحوي مؤثرات خاصة أو حركة. احتاج الفيلم إلى تخطيط دام ثلاثة أعوام قبل بدء التصوير الذي استغرق ثمانية أشهر. السيناريو كتبه لاري فورستر مع اليابانيين هيديو أوجوني وريوز كيكوشيما عن عدة كتب سجّلت أحداث هذا اليوم الرهيب، ومنها كتاب "لادسلاس فارجو وجوردون برانج" من جامعة ميريلاند.
قدّم المخرج الأمريكي ريتشارد فليشر هذا الفيلم الضخم
قدّم المخرج الأمريكي ريتشارد فليشر هذا الفيلم الضخم
يحكي الفيلم عن يوم أسود في حياة أمريكا، هو السابع من ديسمبر عام 1941 عندما قامت اليابان بتدمير معظم الأسطول الأمريكي الغافل في ميناء بيرل هاربور، وبهذا دخلت أمريكا الحرب وقد كانت تحاول تحاشيها. الحقيقة أن هذا العمل كان غلطة حمقاء ارتكبتها اليابان، وقد قادت بعد هذا إلى تدمير هيروشيما وناجازاكي بالقنبلة النووية، قادت كذلك إلى دخول العملاق الأمريكي الحرب بكل قواه ما أدى إلى هزيمة المحور.
يبدأ الفيلم بتولي الأدميرال الياباني ياماماتو قيادة الأسطول من الأدميرال يوشيدا. إن اليابان غاضبة على أمريكا لأنها تعترض طريق المواد الخام المتّجهة إلى اليابان في المحيط الهادي. وجود الأسطول الأمريكي قريبا في بيرل هاربور خطر جدا، ويصفونه بأنه سكين مصوّبة نحو عنق اليابان؛ لا حل سوى ضرب الأسطول الأمريكي ضربة إجهاضية بأي ثمن.
في الوقت نفسه تنجح المخابرات الأمريكية في اعتراض الشفرات اليابانية، ويشعرون أن هناك شيئا سوف يحدث لكنهم لا يعرفون ما هو، يتابعون رسائل اليابان لسفارتها في أمريكا، إن المخابرات الأمريكية تترجم الرسائل بسرعة أسرع من السفارة اليابانية، آخر رسالة تطلب من السفير الأمريكي حرق مفاتيح الشفرة، وهي علامة مقلقة تنذر بدنو الحرب، لكن المخابرات تقدّر أن الأمر لا يتجاوز عمليات تخريب ضد الطائرات يقوم بها الجواسيس اليابانيون.
الآن يُتم اليابانيون تنسيق الهجوم بطائراتهم الزيرو -التي تشعر أنها تعمل بالزمبلك- تحت قيادة جيندا، أما العملية كلها فتتم تحت قيادة متسو فوشيدا. أول علامة على الهجوم كانت محاولة غواصة يابانية التسلل إلى بيرل هاربور، وتنجح مدمرة أمريكية في إغراقها.
كان التدريب شاقا ومعنويات اليابانيين عالية جدا، إذ غرقوا في جو من المزاح والنكات، وعند الفجر تنطلق الطائرات اليابانية واحدة تلو الأخرى من على حاملات الطائرات، قاصدة بيرل هاربور. هذه مشاهد رائعة الجمال ويصعب أن تنساها خصوصا مع موسيقى جيري جولدسميث الساحرة. الطائرات واحدة تلو الأخرى تندفع نحو الشفق، وقد شعر اليابانيون أن قرص الشمس الأحمر في الأفق هو فأل يبشّر بنجاحهم، سوف تشعر بالقشعريرة حتما وأنت ترى هذه اللقطات.
لدهشة اليابانييين لا تعترض طريقهم طائرة أمريكية واحدة، ويدوي النداء عبر اللاسلكي:- "تورا.. تورا.. تورا".
ونرى مشهدا ساخرا للأمريكان في طابور الصباح لا يشعرون بشيء، يسمعون الطائرات اليابانية فيحسبونها طائرات أمريكية سمجة تحلّق على ارتفاع منخفض، لم يستوعبوا أن هذا هجوم إلا عندما انهمرت عليهم طلقات الفيكرز والقنابل، الحقيقة أن هناك أوجه تشابه عديدة مع ما حصل لنا في يونيو 1967.
شاهد بدء الهجوم
الطائرات الأمريكية متراصة في المطارات وفوق حاملات الطائرات، والجناح يلمس الجناح.. بط جالس ينتظر الذبح، وسرعان ما يتحول الميناء الجميل إلى جهنم، شعلة نيران. يحاول البحارة أن ينقذوا الموقف، لكن الهجوم الياباني كاسح.
شاهد الغارة
تمّ الهجوم على موجتين، لكن اليابانيين فضّلوا عدم إرسال الموجة الثالثة خشية أن يجد الأمريكان حاملات طائراتهم ويدمروها.
الحقيقة أن المنتج داريل زانوك في شركة "فوكس للقرن العشرين"، فعل كل ما بوسعه كي يجعل المشاهد شبه حقيقية. والدقة التاريخية للفيلم عالية جدا، حتى أنهم استعانوا بقائد الضربة الجوية جيندا كخبير فني للفيلم.
التصوير كان خطرا في أوقات عديدة، هذه الطائرة من طراز P-140 انزلقت نحو مجموعة من ممثلي الحركات الخطرة وكادت تقتلهم فعلا، خصوصا أنها محمّلة بالمتفجرات.
شاهد هذه اللقطة
تم النصر وتدمير الأسطول الأمريكي بضربة ساحقة، لكن الأدميرال ياماماتو لا يبدو متحمسا، يقول للرجال في نهاية الفيلم:- "لقد أثرنا غضب العملاق النائم".
شاع أنه قال هذه العبارة حتى أنها استُعملت في أفلام كثيرة بعد هذا، لكن الحقيقة هي أنه لم يقلها قط، كاتب السيناريو هو من قالها، لكن هذا كان رأي ياماماتو فعلا. وفيما بعد الحرب زار الولايات المتحدة فقال:- "عندما أرى آبار النفط وحقول القمح المترامية في أمريكا، أدرك أننا لم نحسن صنعا".
فيما بعد سوف يستعيد الأمريكان سيطرتهم على المحيط الهادي مع موقعة ميدواي، وهذا عنوان فيلم آخر تالٍ لهذا.
في البداية لم يلقَ الفيلم نجاحا كبيرا في الولايات المتحدة، لكنه نجح في اليابان جدا، مع الوقت بدأ الجمهور يدرك قوة هذا الفيلم، وحاليا هو من كلاسّيات السينما التي لا يجادل فيها أحد. فاز الفيلم بأوسكار أفضل مؤثرات خاصة، لكنه رشح لأوسكار أفضل تصوير وأفضل إخراج فني، وأفضل مونتاج، وأفضل صوت.
استعمل فيلم "بيرل هاربور 2001" لقطات عديدة من هذا الفيلم، وعموما اعتمد على مؤثرات الكمبيوتر بغزارة ولم يكن عملا موفّقا جدا. - DirectorMilos FormanStarsF. Murray AbrahamTom HulceElizabeth BerridgeThe life, success and troubles of Wolfgang Amadeus Mozart, as told by Antonio Salieri, the contemporaneous composer who was deeply jealous of Mozart's talent and claimed to have murdered him.لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
مذاق هذا الفيلم الساحر لا يفارق الفم بسهولة، وفي كل مرة أرى كادرًا واحدًا منه، أدخل في غيبوبة لا أفيق منها إلا مع تترات النهاية!.. فهو مصيدة فنية حقيقية..
برغم هذا لم أسمع أن الفيلم عرض في مصر أبدًا، فلم أره إلا على شريط فيديو في التسعينيات، وكانت معلوماتي السابقة عنه مستمدة من كتابات النقاد الذين رأوه في مهرجان كان عام 1984 فلم يستطيعوا أن يصمتوا لحظة!..
إن الحقد عاطفة بسيطة سهلة.. كل إنسان يستطيع أن يحقد. وأسهل الحقد هو ما رافقه الغباء والحمق؛ اللذان يجعلانك ترى أن الآخرين عديمو الموهبة نالوا أكثر مما يستحقون..
المشكلة هي الحقد الذي ينتاب الشخص الذكي الحساس ويعذبه، فهو يعرف قدراته ويعرف قدرات خصمه جيدًا، لهذا لا يستطيع أن يعلق نجاح خصمه على شماعة الحظ أو غباء الجماهير..
كانت هذه مشكلة سالييري موسيقار الملك. إنه ذكي جدًا وحساس وعاشق للموسيقى لكنه لم يملك القدرة على إبداعها. لهذا عندما قابل الفتى الطائش موتسارت لم يستطع إلا أن يعترف لنفسه بأن الفتى عظيم الموهبة وموسيقاه أسطورية، ولهذا عاشت روحه في جحيم أبدي.
عن مسرحية شهيرة لبيتر شيفر وإخراج ميلوش فورمان جاءت هذه القطعة من الفن الرفيع.. ميلوش فورمان مخرج من أصل تشيكي، هاجر إلى الولايات المتحدة وقدم مجموعة من الروائع؛ قابلنا منها هنا "أحدهم طار فوق عش الوقواق". التصوير كان للمصور ميروسلاف أندرتشك، وقد تميز بحساسية شديدة خاصة في نقل جو الشمعدانات والشموع.
القصة حقيقية تقريبًا مع الكثير من الخيال الذي لابد منه، وهي تحكي الصراع الخفي بين سالييري موسيقار الملك وموتسارت في بلاط ملك النمسا.
يبدأ الفيلم بسالييري، الشيخ مريض الاكتئاب الذي يحاول الانتحار بقطع عنقه. قام بدور سالييري -في أداء مذهل نال جائزة الأوسكار- الممثل ذو الأصل السوري (ف. موراي أبراهام)، الذي يكتبون اسمه أحيانًا (فريد مرعي إبراهيم).
فورمان مخرج من أصل تشيكي قدم مجموعة من الروائع
فورمان مخرج من أصل تشيكي قدم مجموعة من الروائع
إن سالييري هو موسيقار الملك.. وهو من أصل إيطالي، وهو مصرّ على أنه هو من قتل موتسارت الموسيقار العظيم. يُنقل إلى المصحة العقلية ويأتي إليه قس شاب ليأخذ اعترافاته.
يعزف سالييري على البيانو مقطوعة صغيرة ويسأل القس عن مؤلفها.. لا يعرف القس؛ فيعلن سالييري أنه هو مؤلف هذه المقطوعة. ثم يعزف مقطوعة أخرى يعرفها القس على الفور، ويهنئ الشيخ على موهبته العظيمة، لكن سالييري يخبره أن موتسارت هو مؤلف هذه المقطوعة.. هكذا يوضح الفيلم عقدته وقضيته من اللحظة الأولى.. موسيقى سالييرى قد نُسيت وتلاشت بينما ظلت موسيقى موتسارت خالدة.. والفيلم كله بعد هذا فلاش باك طويل لحياة سالييري وشبابه كما يحكي للقس.
شاهد مشهد القس هنا
منذ طفولته كان سالييري يعشق الموسيقى ويتمنى أن يصير موسيقيًا عظيمًا.. لقد منح حياته كلها للموسيقى. في النهاية استقر به المطاف في البلاط النمساوي في فيينا، وصار موسيقار الملك. ملك النمسا كان يعشق الموسيقى برغم أنه لا يملك أذنًا موسيقية على الإطلاق. لكن سالييري أحب الحياة وأحب نفسه، وعاهد الله ألا يتزوج ليكرس حياته كلها للموسيقى..
هنا يهبط عليه موتسارت من سماء صافية.. أقرب إلى مراهق غرير كثير العبث يلبس كالمهرج، وله ضحكة رفيعة صاخبة مزعجة.. هذا الدور أداه ببراعة توم هولسي، وهو ممثل حُرم جائزة الأوسكار مظلومًا بالتأكيد. يقولون إنه اعتمد في الأداء على شخصية لاعب التنس المتقلب ماكنرو. موتسارت في طريقه إلى الزواج من فتاة شعبية باسلة تفهمه تمامًا. سرعان ما يكتشف سالييري أن الفتى يملك موهبة غير عادية برغم أنه مخلوق عجيب..
شاهد انبهار سالييري هنا
عندما يُدعى موتسارت إلى لقاء الملك، فإنه يقضي الوقت في انتقاء جملة مناسبة. بينما يقوم سالييري بكتابة مقطوعة صغيرة للترحيب به. هنا ندرك أن المحيطين بالملك فريقان: فريق الموسيقيين الإيطاليين ومنهم سالييري، وفريق النمساويين الذين يتحمسون لموتسارت بالطبع. يستقبل موتسارت مقطوعة الترحيب بلا مبالاة واضحة، بل إنه يُدخل عليها تعديلات فورية ليجعلها أجمل (أمام غيظ سالييري وحرجه).
شاهد هذا المشهد الممتع هنا
مع الوقت يتزايد نفوذ موتسارت.. يُسمح له بأن يقدم أوبرا كاملة، ويكتشف سالييري أنه خطف منه حبيبته مغنية الأوبرا كذلك.. إن موتسارت يمثل فرصة ممتازة ليكون هناك موسيقار نمساوي يقدم أوبرا بالألمانية، بعدما سيطر الإيطاليون على كل شيء.
وهكذا يقدم أول أوبرا له بالألمانية
إن الصراع النفسي المعقد لدى سالييري ينبع من تديُّنه الشديد، مما يجعله لا يفهم لماذا اختص الله موتسارت الطائش بكل هذه الموهبة، بينما حُرم هو منها.. هكذا يتزعزع إيمانه الكاثوليكي مع الوقت.
يلعب سالييري لعبة خطرة مع موتسارت، إذ يعرقل معظم مشاريعه سرًا، وإن كان يتظاهر في الوقت نفسه بأنه أقرب صديق له.
يتقرب لزوجته (في الجزء الذي تم حذفه من الفيلم يغرر بها فعلاً)، وهكذا تجلب له بعض مخطوطات موتسارت الأصلية.. يكتشف سالييري في هلع أن هذه المخطوطات هي الصيغة الأولى (Draft) للألحان التي يؤلفها موتسارت. أي أنه لا يتكلف جهدًا في كتابة الموسيقى.. إنه مجرد يد تكتب الألحان التي تُملى عليها إملاء من السماء!..
شاهد هذا المشهد هنا
هنا ينتهي الأمر بالنسبة إليه.. لقد قرر أن يعلن الحرب على موتسارت وأن يدمره تدميرًا.
يتسلل لدار موتسارت مرارًا بعد ما قام برشوة خادمة تعمل هناك، ويتفحص كل شيء هناك؛ كالمنضدة التي يكتب الموسيقى عليها وريشة الحبر.. و.. علاقة معقدة جدًا هي مزيج من الكراهية والعشق المفتون. يدرك أن موتسارت ينزلق إلى ضائقة مالية بسبب إفراطه في اللهو.. يدرك كذلك علاقة موتسارت المعقدة مع أبيه الطاغية الذي توفي.. هكذا يلعب مع موتسارت لعبة نفسية خطرة إذ يلبس مثل أبيه ويضع قناعًا مخيفًا ويتظاهر بأنه ثري يريد من موتسارت لحنًا جنائزيًا.. يعرف سالييري أنه سيسرق لحن موتسارت هذا وسوف يقدمه للناس يوم وفاة الأخير..
الضغوط كثيرة على الفتى، بين الضائقة المالية ومطالب الأسرة والإفراط في الشراب، والحرب الخفية من سالييري ضده، وما يشعر بأنه شبح أبيه العائد.. ثم تأتي الطامة الكبرى عندما تغضب زوجته وتترك البيت مع طفلها..
الآن ينزلق الفتى إلى عالم مريع من الإرهاق والمرض والجوع والعربدة..
الملاك الذي يسدي له العون هو سالييري، الذي يقنعه بأن يستكمل القداس الجنائزي وهو سيساعده بالتدوين. هكذا يرقد موتسارت في الفراش لا يرى تقريبا ويبدأ التأليف، بينما يدون سالييري ما يقول.. وبالطبع لا يرحمه ولا يتركه ليرتاح. هذا أروع مشاهد الفيلم وأروع لحظات سالييري، لأنه رأى عن قرب من أين يأتي موتسارت بموسيقاه وكيف تتحقق المعجزة.. بينما موتسارت لا يعرف أنه يكتب اللحن الجنائزي الخاص به! حركات موتسارت وإيماءاته ودندنته تخلق أوركسترا كاملة، واللحن يتداخل مع سباق عربة الزوجة في الظلام وهي عائدة لزوجها، مع ذهول ساليييري وهو يفهم المعجزة ببطء..
شاهد هذه اللقطة هنا
عند شروق الشمس تكون الزوجة الغاضبة قد عادت إلى الدار لتجد سالييري.. تطرده من الدار طردًا، ثم تكتشف أن إرهاق الليلة الماضية قد قتل زوجها العبقري.. لقد انتهى لحن القداس لكنه لم يكتمل.. ونفذ سالييري جريمة القتل التي لا يمكن أن تدينه بها..
نعود لسالييري الذي ما زال يحكي قصته للقس في المصحة العقلية. لقد عاش طويلاً بعد موتسارت وهكذا استمتع برؤية الناس ينسون موسيقاه -موسيقى سالييري- وينسون من هو، بينما ظل موتسارت حيًا. ويصيح سالييري وهو على مقعده معلنًا أنه ملك محدودي الموهبة.. تعالوا إليّ!.. ونسمع ضحكة موتسارت الماجنة الرفيعة تدوي.. فهو ما زال يسخر من سالييري!
انتهى هذا الفيلم الذي يصعب نسيانه..
تاريخيًا هناك اختلافات عديدة عن الواقع، منها أن سالييري لم يقتل موتسارت ولم يكن هو نفسه موسيقيًا سيئًا.. بالطبع هناك هواة لحصر هذه الاختلافات لكنها لا تفسد متعة الفيلم.
رُشح الفيلم لإحدى عشرة جائزة أوسكار حصد منها ثماني بجدارة. كما حصد أربعًا من جوائز الكرة الذهبية.
هذا الفيديو طريف فعلاً، وهو يريك بعض الأخطاء في فيلم أماديوس
كان هذا فيلمًا آخر من أفلام الحافظة الزرقاء. - DirectorSidney LumetStarsHenry FondaLee J. CobbMartin BalsamThe jury in a New York City murder trial is frustrated by a single member whose skeptical caution forces them to more carefully consider the evidence before jumping to a hasty verdict.لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
هناك نسختان من هذا الفيلم الرائع: نسخة عام 1957 ونسخة عام 1997. لم أر النسخة الأخيرة وإن كنت أميل إلى أنها جيدة بدورها؛ لأن مخرجها هو ويليام فريدكين صاحب (طارد الأرواح الشريرة)، وهو لن يضع اسمه على أي عمل غير متقن.
النسخة الأولى رأيتها في برنامج نادي السينما منذ أعوام طويلة، وقد انبهرت بقدرة المخرج على أن يصنع فيلما شائقا مثيرا، بينما هو حبيس مكان واحد خانق حار. فيما بعد رأيت فيلما يدور في ذات الجو الخانق هو "يرث الرياح" أو "ميراث الرياح" لستانلي كرامر، الذي يدور في قاعة محاكمة في الجنوب الأمريكي في يوم رطب شديد القيظ. كلا العملين الرائعين أخذ عن مسرحية.. لكن براعة المخرج تجعلك تنسى هذا تماما.
مسرحية "12 رجلا غاضبا" مسرحية تليفزيونية كتبها ريجنالد روز، ولها شعبية كبيرة عند شباب المسرحيين، وقد تلقّيت مؤخرا دعوة لحضور عرض مسرحي لها في المنصورة من إعداد صديقي أحمد صبري غباشي، لكن لم أتمكّن من الحضور، واكتفيت بأن اقترحت عليه أن يقدّم مسرحية "يرث الرياح" كذلك.
كما قلنا في الأسبوع الماضي، أخرج الفيلم سيدني لوميت الذي قابلناه مع فيلم "بعد ظهر يوم حار".
هنري فوندا يتوسط طاقم الممثلين المميز
هنري فوندا يتوسط طاقم الممثلين المميز
البطل الحقيقي للفيلم هو الحوار، وهو طاقم الممثلين الممتاز وعلى قمتهم هنري فوندا. إن الفيلم مباراة أداء رائعة بين أسماء عالية الاحترافية؛ مثل هنري فوندا ومارتين بالسام ولي جي كوب وجاك كلوجمان. الطريف أن الاثني عشر رجلا غاضبا ماتوا جميعا في عالم الواقع باستثناء كلوجمان.
لا تعتمد مصر في المحاكمات على نظام المحلّفين، لكنه النظام المطبّق في الولايات المتحدة. هنا يتم اختيار 12 مواطنا حسن السمعة (بموافقة الادّعاء والدفاع معا) ويكون على هؤلاء المحلّفين أن ينعزلوا تماما عن قراءة الصحف وسماع الأخبار حتى لا يتأثر قرارهم. فقط يتابعون المحاكمة، وفي النهاية يجتمعون ليصلوا لقرار واحد.. هل المتهم مذنب أم لا.. لو اتضح أن المتهم مذنب يكون على القاضي اختيار العقوبة.
هذا بالضبط هو الموقف الذي يدور حوله الفيلم.. المحلفون مجتمعون في غرفتهم يحاولون الوصول لقرار.. هل الفتى المتهم قد قتل أباه أم لا؟ سوف ينتج عن هذا القرار حكم بالإعدام. ونحن لا نعرف أسماء المحلفين ولا اسم الفتى المتهم طيلة الفيلم، فقط نعرف اسمين في نهاية الفيلم؛ فالموقف أكثر عمومية من التقيد بأسماء.
المشكلة هنا هي أنه لا يوجد إجماع.. أحد عشر صوتا يدين الفتى بينما هنري فوندا -المحلّف رقم 8- يصر على أنه بريء.. إنه يشك في شهادة الشهود الذين قالوا إن المدية المستعملة في الجريمة نادرة الطراز، ويرى الكثير من النقاط المبهمة في الشهادات.
شاهد المشهد الذي يخرج فيه هنري فوندا من جيبه مدية مماثلة للمدية "نادرة الطراز"
يعاد التصويت مع انسحاب هنري فوندا منه، فيتبين أن محلفا آخر انضمّ لرأيه.
هكذا تهتزّ الأرض نوعا تحت أقدام المحلفين الواثقين من قرارهم.. محلف ثالث بدأ يرى أن المتهم غير مذنب..
هناك جدل حول امرأة من الشهود تبدو علامات النظارة على أنفها، وبرغم هذا لم تكن تضع النظارة وقت الحادث.. فكيف رأت ما حدث بوضوح؟
شاهد جوزيف سويني يناقش هذه النقطة هنا
إننا نعرف أكثر فأكثر شخصيات الجالسين.. منهم من يصرّ بعناد وغرور على رأيه، ومنهم من يلين؛ لأنه يتعاطف مع الفتى لأسباب شخصية، أو لأنه نشأ في الأزقة مثله. ومع الوقت يتزايد عدد من يرون أن الفتى غير مذنب. اللعبة هنا هي كيف يتم هذا، وكيف يتناقص عدد من يرون أن الفتى مذنب. مع الوقت يدرك الجالسون أنهم يأخذون الأمر بخفّة أكثر من اللازم مع أنه يتعلق بحياة شاب.. شاب لم يرتكب الجريمة على الأرجح.
شاهد جزءا من الجدل هنا
مع الوقت لا يبقى سوى 3 ممن يصرّون على رأيهم. وندرك أن هناك أسبابا تتعلق بشخصية ونفسية كل منهم، مثلا من خاض منهم صراعا مع ابنه يحمل حقدا خفيا نحو الفتى المتهم بقتل أبيه؛ لأنه يرى نفسه في صورة هذا الأب. نحن نعرف أن الزوجة التي أساء زوجها معاملتها مثلا يسهل أن تدين أي زوج قتل زوجته، أو تبرئ أية زوجة فعلت العكس.
يزداد عدد المؤيدين لبراءة الفتى، وفي النهاية تنقلب الصورة تماما ويخرج القرار: الفتى ليس مذنبا.
تبدو الحبكة بسيطة.. لكن اللعبة الحقيقية الصعبة هي الطريقة التي تتغير بها الآراء، والصراع الذهني المستمر.. وإن كنت شخصيا أرى بعض التعسف أو الافتعال في بعض المواقف.. الناس لا تغير آراءها بهذه السهولة في الواقع..
أنتج الفيلم هنري فوندا نفسه، وهي تجربته الوحيدة مع الإنتاج السينمائي على كل حال. المصوّر كاوفمان استخدم تقنيات متقدمة وعدسات خاصة؛ ليوحي بالجو المغلق الخانق والعرق على الوجوه. سبقت التصوير بروفات مرهقة وطويلة جدا في ذات المكان، لهذا لم يستغرق التصوير نفسه وقتا طويلا.
يظهر الفيلم دائما في أية قائمة لأفضل الأفلام في التاريخ. وهو الأفضل في قائمة أفلام قاعة المحاكمة. لم يحقق الفيلم نجاحا تجاريا وإن فاز بانبهار النقاد.. كما أن عرضه في نفس العام مع "جسر على نهر كواي" تحفة ديفيد لين أدى إلى حرمانه من جوائز أوسكار كان يستحقها بشدة. وكان عليه أن ينتظر طويلا حتى يدرك الجمهور أي فيلم رائع هو.
كان هذا فيلما آخر من أفلام الحافظة الزرقاء،،، - DirectorFrancis Ford CoppolaStarsMarlon BrandoAl PacinoJames CaanThe aging patriarch of an organized crime dynasty transfers control of his clandestine empire to his reluctant son.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
يستطيع المخرج العالمي العظيم فرانسيس فوردكوبولا ذو الأصل الإيطالي، أن يفتخر دوما بأنه قدّم فيلمين يتنافسان على صدارة قائمة أعظم أفلام في التاريخ؛ وهما "الأب الروحي - 1972" و"سفر الرؤية الآن - 1979"، والفيلمان معروفان ويتنافسان على المركز الأول دائما مع "خلاص شوشانك" و"المواطن كين".
فيلم الأب الروحي مهم جدا ومتشابك بالرموز ولم يفقد شيئا من سحره بعد هذه الأعوام.. ولسوف تجده في معظم الكتب المعنيّة بتحليل السينما.. هنا سوف تجد نفسك واحدا من أفراد عصابات المافيا تُواجه مشكلاتهم وتقلقك همومهم، ولسوف تكتشف أن هذا المجتمع العصابي تحكمه قيم وتقاليد، ويُعطي أهمية عظمى للترابط الأسري، وعندما ينتهي الفيلم لن تستردّ حريتك أبدا.. لقد تغيّر جزء من ثقافتك للأبد ليحمل لمسة من عوالم المافيا. ربما يجد البعض هذا ظاهرة سلبية، لكنك في النهاية توسّع نظرتك للعالم أكثر.
ربما سمعت عبارة "عرضٌ لا تستطيع رفضه" أو سمعت اللحن الشهير المميّز للفيلم.. المهم أن كل واحد في عالمنا يحمل بصمة من هذا الفيلم، وبرغم هذا كان كوبولا صغير السن جدا عندما عهدت له بارامونت بإخراج هذا العمل الجبّار، ولم تكُن له تجارب مهمة سوى فيلم "المحادثة" (تكلّمنا عنه من قبل في هذا الباب)، ولعل كوبولا أوّل واحد يصل للنجاح من جيل العيال الشهير في السينما الأمريكية.. العيال المزعجين -من أمثال سكورسيس وسبيلبرج- الذين غيّروا خارطة السينما للأبد.
اعتمد الفيلم على رواية بنفس الاسم للأديب إيطالي الأصل "ماريو بوتسو"، وهو يعرف المافيا جيّدا، بل يبدو كأنه (دون) من زعمائها بشكله الفخم المميز.
كوبلا قدّم فيلمين يتنافسان على قمة أعظم الأفلام في العالم
كوبلا قدّم فيلمين يتنافسان على قمة أعظم الأفلام في العالم
هناك مَن يعتبرون أفضل الأجزاء هو الثاني، وإن كنت عن نفسي أفضّل الأول، لكن هناك شِبه إجماع على أن الجزء الثالث هو أضعف الأجزاء الثلاثة.
يبدأ الفيلم بمشهد افتتاحي ضخم هو زفاف ابنة الدون كورليوني (مارلون براندو).. هنا تقريبا يقدّم لنا الفيلم كل الممثلين وكل اللاعبين ونفهم كل العلاقات، عن طريق القطع بين حفل الزفاف نفسه، وبين الدون الذي ينسحب من وقت لآخر لغرفة المكتب ليُجري مقابلة سريعة.
نعرف مساعديه ونعرف محاميه الأريب "روبرت دوفال"، ونعرف أنه يُدير شبكة قمار عبر الولايات المتحدة كلها.. ذراعه اليمنى هو ابنه المندفع "جيمس كان"، وله ابن آخر ضعيف الشخصية متخاذل "جون كازال"، وهناك ابن مهذّب يريد له أن يظلّ بعيدا عن القاذورات هو "آل باتشينو"، وهو يبدو كالفتيات الرقيقات فعلا في هذا الجو، وكما يُردّد لحبيبته التي تجلس معه في الزفاف: هذه أسرتي.. ليس أنا..
نحن لا نعرف خلفية "الأب الروحي" جيّدا.. نعرف فقط أنه قوي جدا، وأنه يتمتّع بجانب إنساني لا بأس به.. وفي الجزء الثاني نعرف خلفيات فراره من صقلية إلى الولايات المتحدة ونشأته في الأحياء الفقيرة، وكيف تعلم أن يصير مجرما.. إلخ... لكن ليس في هذا الجزء.
التفاصيل الصغيرة والأداء المذهل من الممثلين هو ما يصنع قوة هذا الفيلم المدهش، وفي المشهد الافتتاحي نعرف جزءا من قواعد هذا المجتمع المتشابك... إنني أقدّم لك خدمة مقابل أن تظهر الاحترام لي، وتُؤدّي لي خدمة في وقت ما، لا أعرف متى ولا أين.. وهكذا نعرف مشكلة الحانوتي الذي تبنّى فتاة صغيرة ثم هاجمها وغدان حاولا اغتصابها وكسرا فكّها.. إنه يريد الانتقام. يرفض "الأب الروحي" في البداية لأن الحانوتي لم يأتِ له من قبل ولم يعرض صداقته عليه، ثم يُوافق على تلقين الوغدين درسا على أن يظلّ الحانوتي مدينا له بخدمة واحدة لا يعرف ما هي بعد.. فيما بعد سوف نعرف أن هذه الخدمة المشئومة هي أن يجمّل جثمان ابنه حتى لا تراه أمه ممزقا.
شاهد المشهد الافتتاحي مع الحانوتي
هنا سخرية واضحة.. الحانوتي يحبّ المجتمع الأمريكي بينما لا نرى من هذا المجتمع سوى عالم العصابات ورجال الشرطة الفاسدين.. وكما قيل عن الفيلم إنه يظهر "دمار الحلم الأمريكي".
هكذا تتواصل التفاصيل الصغيرة وتتدفّق المعلومات أثناء حفل الزفاف، لكن الجو حميم جدا فلا يخطر ببالك أبدا أن هذه عصابات.. مجرد أسرة إيطالية ظريفة في زفاف، وفيما بعد استنسخ المخرج مايكل شيمينو هذا المشهد تقريبا في فيلم "صائد الغزال"، لكنه جعل الأسرة روسية.
شاهد لقطات من حفل الزفاف الإيطالي المليء بالحيوية
وفي هذا الحفل سوف نقابل الممثّل الذي بدأ نجمه يخبو، والذي يريد أن يُساعده دون كورليوني على أن ينال دورا في فيلم جديد.. هنا نعرف جانبا من أساليب كورليوني؛ فهو يُرسل المحامي الملاكي الخاص به إلى منتج الفيلم ينصحه بأن يعطي الدور لهذا الممثل، ونعرف لأول مرة تعبير "عرض لا يمكن رفضه".. هذا تهديد خفي باستعمال العنف، وبالفعل يرفض المنتج فتكون النتيجة أنه يصحو في فراشه ليجد رأس حصانه الجميل المفضّل غارقا في الدم تحت الملاءات..
"عرض لا تستطيع رفضه" تعبير اقتحم الثقافة الشعبية منذ قدم فيلم "الأب الروحي"
في نفس الحفل نقابل مشكلة الفيلم الحقيقية.. التركي.. تاجر المخدرات الذي يحلم بأن يبيع الهيروين في الولايات المتحدة مقابل أن يمنحه دون كورليوني نفوذه. يرفض دون كورليوني هذا؛ لأنه يجدها لعبة خطرة جدا و"غير أخلاقية". حسب منطقه فالقمار خطيئة بسيطة يفرج بها الرجل العادي عن نفسه، لكن المخدرات تدمير كامل للمجتمع الأمريكي.
هكذا يُعلن التركي الحرب بالاستعانة بالأسرة المنافسة "تاتاليا".. وهذا هو موضوع الفيلم الذي أعتقد أن الجميع يعرفونه فلن أحكيه.. دعك من أن الفيلم يُعرض في التليفزيون كثيرا جدا فلا تفوت فرصة مشاهدته. هذا الصراع هو الذي سيُؤدي بالابن الوديع آل باتشينو إلى أن يصير من زعماء المافيا، ولسوف يقتل التركي مع مدير البوليس في مشهد رهيب، وبهذا يتمّ تجهيزه بالدم ليصير الأب الروحي الثاني
وهكذا تضطرّ الأسرة إلى تهريب آل باتشينو إلى صقلية -مسقط رأس الأسرة- بضعة أشهر، وهنا يأتي أكثر أجزاء الفيلم عذوبة، مع موسيقى الرعاة في صقلية التي صنع منها الملحن العالمي نينو روتا لحنا لا يمكن نسيانه، وهو الذي أضاف له المطرب أندي ويليامز كلماته لتصير أغنية "تكلّمي بنعومة يا حبيبتي" الشهيرة جدا..
هناك مَشاهد لا يمكن نسيانها أبدا؛ مثل مشهد مقتل الابن سوني (جيمس كان)، وهو مقتبس من مشهد موت بوني وكلايد في الفيلم الشهير، والأب يحمل جثمانه إلى الحانوتي الذي قابلناه في أول الفيلم.. الخدمة التي حان وقتها هو أن يجعل الجثة التي مزّقها الرصاص قابلة لأن تراها الأم.. وهنا إضاءة مقبضة قادمة من أعلى تميّز بها الفيلم كله، وأبدع فيها المصور ألبرت رودي، مع أداء مذهل من براندو؛ خاصة وهو يقول:- "هل رأيت كيف مزّقوا ولدي؟"
هناك كذلك التحوّل المذهل في شخصية آل باتشينو من فتى مهذب خجول أقرب للفتيات، إلى تلك الشخصية المخيفة التي تستطيع القتل بمجرد النظرات.. إن الممثل المرعب في آل باتشينو ظهر بوضوح، لكنه كان محاطا بعمالقة تمثيل من وزن براندو وروبرت دوفال لذا كان عليه أن ينتظر فيلم "بعد ظهر حار" حتى يتألّق كالنجم وحده.
هناك كذلك مشهد شهير جدا في عالم المونتاج "مونتاج ويليام رينولدز" يستخدم لتدريس المونتاج المتوازي في كل مكان، ولسوف تجده في كل كتاب سينمائي.. مشاهد تعميد ابن آل باتشينو في الكنيسة تتداخل مع مشاهد قتل باتشينو لكل خصومه.. هذا نوع آخر من التعميد يجعله الأب الروحي للمافيا هذه المرة.
هناك رسائل خفية في الفيلم؛ مثلا لا بد من أن يظهر البرتقال قبل أي مجزرة أو مذبحة.. البرتقال ثم الدم.. هذه هي القاعدة.
كان أداء مارلون براندو رائعا؛ خاصة مع الماكياج الذي جعله أكبر سنا مع انتفاخ ودجيه، ونبرة الصوت المبحوحة لأن الشخصية أصيبت برصاصة في الحنجرة في الماضي. وقد انبهر كثير من رجال المافيا الحقيقيين بالأداء لدرجة أن بعضهم افتعل لنفسه طريقة الكلام ذاتها، لكن براندو لم يقبل جائزة الأوسكار، على سبيل الاحتجاج بسبب تصوير السينما الأمريكية الظالم للهنود الأمريكيين كما قال.
نال الفيلم أوسكار أفضل فيلم وأفضل ممثّل وأفضل سيناريو، وكان من المتوقّع أن ينال أوسكار أفضل موسيقى، لكن تبيّن أن نينو روتا استعمل اللحن ذاته في فيلم سابق، وهكذا تمّ حذف الترشيح وإن نال جائزة الكرة الذهبية.
إن الفيلم يحتاج لعدة مقالات للكلام عنه، وفي كل مشاهدة تكتشف نقاطا رائعة لم تلحظها أول مرة.. ولنا لقاء جديد مع الحافظة الزرقاء إن عشنا.